اعتصم خليل الله سبحانه بالعزلة واستظهر بها على قومه عند جفائهم إياه وخلافهم له في عبادة الأصنام ومعاندة الحق وكفاه الله تعالى أمرهم وعصمه من شرهم وأثابه على ذلك بالموهبة الجزيلة وعوضه النصرة بالذرية الطيبة،
قال تعالى: (فَلَمّا اعْتَزَلَهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللّهِ وَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَكُلاّ جَعَلْنَا نَبِيّاً) [مريم: 49]
وقال تعالى في قصة موسى عليه السلام (وَإِنّي عُذْتُ بِرَبّي وَرَبّكُمْ أَن تَرْجُمُونِ * وَإِن لّمْ تُؤْمِنُواْ لِي فَاعْتَزِلُونِ) [الدخان 20، 21] فزع نبي الله تعالى إلى العزلة حين ظهر له عنادهم في قبول الدعوة وإصرارهم على منابذة الحق.
وقال تعالى ذكره في قصة أصحاب الكهف: (وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ إَلاّ اللّهَ فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنْشُرْ لَكُمْ رَبّكُم مّن رّحْمَتِهِ وَيُهَيّىءْ لَكُمْ مّنْ أَمْرِكُمْ مّرْفَقاً) [الكهف: 16]
وكانوا قوما كرهوا المقام بين ظهراني أهل الباطل ففروا من فتنة الكفر وعبادة الأوثان فصرف الله تعالى عنهم شرهم ودفع عنهم بأسهم ورفع في الصالحين ذكرهم.
وقد اعتزل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قومه قريشا لما جفوه وآذوه فدخل الشعب وأمر أصحابه باعتزالهم والهجرة إلى أرض الحبشة ثم تحول إلى المدينة مهاجرا حتى تلاحق به أصحابه وتوافوا بها معه فأعلى الله تعالى كلمته وتولى إعزازه ونصره صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
(حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه الثابت في صحيح البخاري) أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: يوشك أن يكون خير مال الرجل غنم، يتبع بها شعف الجبال ومواقع القطر، يفر بدينه من الفتن.
(حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في صحيح الترمذي) أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: بادروا بالأعمال فتنا كقطع الليل المظلم يصبح الرجل مؤمنا ويمسي كافرا ويمسي مؤمنا ويصبح كافرا يبيع أحدهم دينه بعرض من الدنيا.
اما الأحاديث الوارادة فى الاختلاف والتنازع بين المسلمين، وما يتبعه من قتال وتطاحن وسفك للدماء فهى كثيرة جدا، منها ما يلي: