وقال رجل للإمام أبي حنيفة: اتق الله، فانتفض واصفرَّ وأطرق وقال: جزاك الله خيراً، ما أحوج الناس كل وقت إلى من يقول لهم مثل هذا (?) لهذه الكلمة.

وعن بلال بن سعد عمن رأى عامرَ بن عبد الله التميمي بأرض الروم وله بغلة يركبها عقبة (أي نوبة) ويحمل المهاجرين عقبة، قال بلال: " كان إذا فصل غازياً يتوشَّم من يرافقه، فإذا رأى رفقة تعجبه، اشترط عليهم أن يخدمهم، وأن يؤذن، وأن ينفق عليهم طاقته " (?).

فلا إله إلا الله ما أعجب هذه الشروط.

وعن أبي قِلابة قال: " إذا بلغك عن أخيك شيء تكرهه فالتمس له العذر جهدك، فإن لم تجد له عذراً فقل في نفسك: لعل له عذراً لا أعلمه " (?).

رزقت أسمح ما في الناس من خلق ... إذا رزقت التماس العذر في الشيم

وعن يونس الصَّدفي: "ما رأيت أعقلَ من الشافعي، ناظرته يوماً في مسألة، ثم افترقنا، ولقيني فأخذ بيدي ثم قال: يا أبا موسى ألا يستقيم أن نكون إخواناً وإن لم نتفق في مسألة " (?).

الله أكبر، هذه أخلاق الأئمة فأين الذين يوالون ويعادون عند أدنى خلاف؟!

وعن معاذ بن سعيد قال: كنا عند عطاء بن أبي رباح فتحدث رجل بحديث فاعترض له آخر في حديثه، فقال عطاء: " سبحان الله ما هذه الأخلاق؟ ما هذه الأخلاق؟ إني لأسمع الحديث من الرجل وأنا أعلم منه به فأريه أني لا أُحسن منه شيئاً " (?).

فأين هذا من قوم إذا تحدث فيهم الرجل اعترض له عشرة؟

وعن ابن مهروية الرازي، سمعت علي بن الحسين بن الجنيد: سمعت يحي بن معين يقول: " إنا لنطعن على أقوام، لعلهم قد حطوا رحالهم في الجنة من أكثر من مائتي سنة " (?).

قال ابن مهروية: " فدخلت على عبد الرحمن بن أبي حاتم وهو يقرأ على الناس كتاب الجرح والتعديل، فحدثته بهذا، فبكى، وارتعدت يداه، حتى سقط الكتاب وجعل يبكي ويستعيدني الحكاية ".

قال الذهبي: " أصابه على طريق الوجل وخوف العاقبة، وإلاّ فكلام الناقد الورع في الضعفاء من النصح لدين الله، والذب عن السنة " (?).

فأين هذا من أقوام لم تشبعهم لحوم الأحياء فتطاولوا على أموات المسلمين يلغون في أعراضهم ويأكلون لحومهم؟ نسأل الله العافية.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015