ما يتعاظم أحدنا أن يتكلم به: من الأعظام أي نجد التكلم به عظيما لغاية قبحه والمعنى نجد في أنفسنا الشيء القبيح نحو من خلق الله وكيف هو ومن أي شيء هو ونحو ذلك مما يتعاظم النطق به فما حكم جريان ذلك في خواطرنا.
وقد وجدتموه؟ الهمزة للاستفهام التقريري والواو المقرونة بها للعطف على مقدر أي احصل ذلك وقد وجدتموه.
ذاك صريح الإيمان: معناه أن صريح الإيمان هو الذي يمنعكم من قبول ما يلقيه الشيطان في أنفسكم والتصديق به حتى يصير ذلك وسوسة لا يتمكن من قلوبكم ولا تطمئن إليه نفوسكم وليس معناه أن الوسوسة نفسها صريح الإيمان وذلك أنها إنما تتولد من فعل الشيطان وتسويله فكيف يكون إيمانا صريحا.
(وكذلك يطمئن من قلق المعصية، وانزعاجها إلى سكون التوبة وحلاوتها.
فإذا اطمأن من الشكّ إلى اليقين، ومن الجهل إلى العلم، ومن الغفلة إلى الذكر، ومن الخيانة إلى التوبة ومن الرياء إلى الإخلاص، ومن الكذب إلى الصدق، ومن العجز إلى الكيس، ومن صولة العجب إلى ذلة الإخبات، ومن التيه إلى التواضع، فعند ذلك تكون نفسه مطمئنة.
(وأصل ذلك كله هي اليقظة، التي كشفت عن قلبه سِنة الغفلة وأضاءت له قصور الجنة، فصاح قائلاً:
ألا يا نفس ويحك ساعديني ... بسعى منك في ظلم الليالي
لعلك في القيامة أن تفوزي ... بطيب العيش في تلك العلالي
فرأى فى ضوء هذه اليقظة ما خلق له، وما سيلقاه بين يديه من حين الموت إلى دخول دار القرار، ورأى سرعة انقضاء الدنيا، وقلة وفائها لبنيها وقتلها لعشاقها، وفعلها بهم أنواع المثلات، فنهض في ذلك الضوء على ساق عزمه قائلاً: {يَا حَسْرَتَى علَى مَا فَرَّطتُ فِي جَنبِ اللَّهِ} (الزمر: من الآية 56).
فاستقبل بقية عمره مستدركاً ما فات، محيياً ما مات، مستقبلاً ما تقدم له من العثرات، منتهزاً فرصة الإمكان التي إن فاتت فاته جميع الخيرات، ثم يلحظ في نور تلك اليقظة وفور نعمة ربه عليه، ويرى أنه آيسٌ من حصرها وإحصائها، عاجزٌ عن آداء حقها، ويرى في تلك اليقظة عيوب نفسه، وآفات عمله، وما تقدم له من الجنايات والإساءات والتقاعد عن كثير من الحقوق والواجبات، فتنكسر نفسه وتخشع جوارجه، ويسير إلى الله ناكس الرأس بين مشاهدة نعمه، ومطالعة جناياته، وعيوب نفسه، ويرى أيضاً في ضوء تلك اليقظة عزة وقته، وخطره، وأنه رأس مال سعادته فيبخل به فيما لا يقربه إلى ربه، فإن في إضاعته الخسران والحسرة، وفى حفظه الربح والسعادة.