أما الأول ـ وهو الهدية ـ فلا بأس بقبولها فإن قبولها سنة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولكن ينبغي أن لا يكون فيها منة. وتأمل في الحديث الآتي بعين البصيرة وأمْعِنِ النظر فيه واجعل له من سمعك مسمعا وفي قلبك موقِعاً عسى الله أن ينفعك بما فيه من غرر الفوائد، ودرر الفرائد.
(حديث ابن عمر رضي الله عنهما الثابت في الصحيحين) قال: سمعت عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - يقول: كان رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يعطيني العطاءَ، فأقولُ أعطهِ من هو أفقر مني فقال: (خذه، إذا جاءك من هذا المال شيءٌ، وأنت غير مشرفٍ ولا سائل، فخُذهُ، وما لا، فلا تُتْبعِه نفسك)
فإن كان فيها منة فالأولى تركها فإن علم أن بعضها مما تعظم
فيه المنة فليرد البعض دون البعض فقد أهدي إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سمن وأقط وكان صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقبل من بعض الناس ويرد على بعض. وفعل هذا جماعة من التابعين.
وحمل إلى الحسن البصري كيساً ورزمة من رقيق ثياب خراسان فرد ذلك وقال: من جلس مجلسي هذا وقبل من الناس مثل هذا لقي الله عز وجل يوم القيامة وليس له خلاق.
وهذا يدل على أن أمر العالم والواعظ أشد في قبول العطاء.
وقد كان الحسن يقبل من أصحابه.
وكان إبراهيم التيمي يسأل من أصحابه الدرهم والدرهمين ونحوه ويعرض عليه غيرهم المئين فلا يأخذها.
وكان بعضهم إذا أعطاه صديقه شيئاً يقول: اتركه عندك وانظر إن كنت بعد قبوله في قلبك أفضل مني قبل القبول فأخبرني حتى آخذه وإلا فلا وأمارة هذا أن يشق عليه الرد لو رده ويفرح بالقبول ويرى المنة على نفسه في قبول صديقه هديته فإن علم أنه يمازجه منة فأخذه مباح ولكنه مكروه عند الفقراء الصادقين.
وقال بشر: ما سألت أحداً قط شيئاً إلا سرياً السقطي لأنه قد صح عندي زهده في الدنيا فهو يفرح بخروج الشيء من يده ويتبرم ببقائه عنده فأكون عوناً له على ما يحب.
وجاء خراساني إلى الجنيد رحمه الله بمال وسأله أن يأكله فقال: أفرقه على الفقراء فقال: ما أريد هذا.
قال: ومتى أعيش حتى آكل هذا قال: ما أريد أن تنفقه في الخل والبقل بل في الحلاوات والطيبات فقبل ذلك منه فقال الخراساني: ما أجد في بغداد أمن علي منك فقال الجنيد: ولا ينبغي أن يقبل إلا من مثلك.
الثاني: أن يكون للثواب المجرد وذلك صدقة أو زكاة فعليه أن ينظر في صفات نفسه هل هو مستحق للزكاة فإن اشتبه عليه فهو محل شبهة.