(هل الفقر أفضل أم الغنى؟
[*] (قال الغزالي رحمه الله تعالى في إحياء علوم الدين:
اعلم أن الناس قد اختلفوا في هذا فذهب الجنيد والخواص والأكثرون إلى تفضيل الفقر وقال ابن عطاء: الغني الشاكر القائم بحقه أفضل من الفقير الصابر.
ويقال أن الجنيد دعا على ابن عطاء لمخالفته إياه في هذا فأصابته محنة.
(ثم قال رحمه الله تعالى:
فأما الفقر والغنى إذا أخذا مطلقاً لم يسترب من قرأ الأخبار والآثار في تفضيل الفقر ولا بد فيه من تفصيل فنقول إنما يتصور الشك في مقامين: أحدهما فقير صابر ليس بحريص على الطلب بل هو قانع أو راض بالإضافة إلى غني منفق ماله في الخيرات ليس حريصاً على إمساك المال.
والثاني فقير حريص مع غني حريص إذ لا يخفى أن الفقير القانع أفضل من الغني الحريص المقام الأول فقير صابر ليس بحريص على الطلب أما الأول فربما يظن أن الغني أفضل من الفقير لأنهما تساويا في ضعف الحرص على المال والغني متقرب بالصدقات والخيرات والفقير عاجز عنه وهذا هو الذي ظنه ابن عطاء فيما نحسبه
فأما الغني المتمتع بالمال وإن كان في مباح فلا يتصور أن يفضل على الفقير القانع وقد يشهد له ما روي في الخبر: أن الفقراء شكوا إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سبق الأغنياء بالخيرات والصدقات والحج والجهاد فعلمهم كلمات في التسبيح وذكر لهم أنهم ينالون بها فوق ما ناله الأغنياء فتعلم الأغنياء ذلك فكانوا يقولونه فعاد الفقراء إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأخبروه فقال عليه السلام: " ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء ".
(بيان آداب الفقير في قبول العطاء إذا جاءه بغير سؤال:
ينبغي أن يلاحظ الفقير فيما جاءه ثلاثة أمور: نفس المال وغرض المعطي وغرضه في الأخذ.
أما نفس المال فينبغي أن يكون حلالاً خالياً عن الشبهات كلها فإن كان فيه شبهة فليتحرز من أخذه وقد ذكرنا في كتاب الحلال والحرام درجات الشبهة وما يجب اجتنابه وما يستحب.
وأما غرض المعطي فلا يخلو: إما أن يكون غرضه تطبيب قلبه وطلب محبته وهو الهدية أو الثواب وهو الصدقة والزكاة والذكر والرياء والسمعة إما على التجرد وإما ممزوجاً ببقية الأغراض.