وقد قال عمر رضي الله تعالى عنه: إن الطمع فقر واليأس غنى وإنه من يئس عما في أيدي الناس وقنع استغنى عنهم.
وقال أبو مسعود رضي الله تعالى عنه: ما من يوم إلا وملك ينادي من تحت العرش: يا ابن آدم قليل يكفيك خير من كثير يطغيك.
وقال أبو الدرداء رضي الله تعالى عنه: ما من أحد إلا وفي عقله نقص وذلك انه إذا أتته الدنيا بالزيادة ظل فرحاً مسروراً والليل والنهار دائبان في هدم عمره ثم لا يحزنه ذلك ويح ابن آدم ما ينفع مال يزيد وعمر ينقص.
وقيل لبعض الحكماء: ما الغنى قال: قلة تمنيك ورضاك بما يكفيك.
وقيل: كان إبراهيم بن أدهم من أهل النعم بخراسان فبينما هو يشرف من قصر له ذات يوم إذ نظر إلى رجل في فناء القصر وفي يده رغيف يأكله فلما أكل نام فقال لبعض غلمانه: إذا قام فجئني به فلما قام جاء به إليه فقال إبراهيم: أيها الرجل أكلت الرغيف وأنت جائع قال: نعم قال: فشبعت قال: نعم قال: ثم نمت طيباً قال: نعم فقال إبراهيم في نفسه: فما أصنع بالدنيا والنفس تقنع بهذا القدر.
ومر رجل بعامر بن عبد القيس وهو يأكل ملحاً وبقلاً فقال له: يا عبد الله أرضيت من الدنيا بهذا فقال: ألا أدلك على من رضي بشر من هذا قال: بلى قال: من رضي بالدنيا عوضاً عن الآخرة.
وكان محمد بن واسع رحمة الله عليه يخرج خبزاً يابساً فيبله بالماء ويأكله بالملح ويقول: من رضي من الدنيا بهذا لم يحتج إلى أحد.
وقال الحسن رحمه الله: لعن الله أقواماً أقسم لهم الله تعالى ثم لم يصدقوه ثم قرأ " وفي السماء رزقكم وما توعدون ورب السماء والأرض إنه لحق مثل ما أنكم تنطقون ".
وكان أبو ذر رضي الله عنه يوماً في الناس فأتته امرأته فقالت له: أتجلس بين هؤلاء والله ما في البيت هفة ولا سفة فقال: يا هذه إن بين أيدينا عقبة كئوداً لا ينجو منها إلا كل مخف وقال ذو النون رحمه الله: أقرب الناس إلى الكفر ذو فاقة لا صبر له.
وقيل لبعض الحكماء: ما مالك فقال: التجمل في الظاهر والقصد في الباطن واليأس مما في أيدي الناس.
وقد قيل في هذا المعنى أيضاً:
يا جامعاً مانعاً والدهر يرمقه ... مقدراً أي باب منه يغلقه
مفكراً كيف تأتيه منيته ... أغادياً أم بها يسري فتطرقه
جمعت مالاً فقل لي هل جمعت له ... يا جامع المال أياماً تفرقه
المال عندك مخزون لوارثه ... ما المال مالك إلا يوم تنفقه
فالعرض منه مصون ما يدنسه ... والوجه منه جديد ليس يخلقه
إن القناعة من يحلل بساحتها ... لم يبق في ظلها هم يؤرقه