قال حجة الإسلام: ولم يرد كل أحد لفتوى نفسه وإنما ذلك لوابصة في واقعة تخصه انتهى قال البعض: وبفرض العموم فالكلام فيمن شرح الله صدره بنور اليقين فأفتاه غيره بمجرد حدس أو ميل من غير دليل شرعي وإلا لزمه اتباعه وإن لم ينشرح له صدره انتهى وبما بحثه صرح حجة الإسلام لكن بزيادة بيان وإحسان فقال ما محصوله ليس للمجتهد أو المقلب إلا الحكم بما يقع له أو لمقلده ثم يقال للورع استفت [ص 496] قلبك وإن أفتوك إذ للإثم حزازات في القلوب فإذا وجد قابض مال مثلاً في نفسه شيئاً منه فليتق الله ولا يترخص تعللاً بالفتوى من علماء الظاهر فإن لفتاويهم قيوداً من الضرورات وفيها تخمينات واقتحام شبهات والتوقي عنها من شيم ذوي الدين وعادات السالكين لطريق الآخرة. (تتمة) قال العارف سهل التستري خرج العلماء والزهاد والعباد من الدنيا وقلوبهم مقفلة ولم تفتح إلا قلوب الصديقين والشهداء ولولا أن إدراك قلب من له قلب بالنور الباطني حاكم على علم الظاهر لما قال المصطفى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ استفت قلبك، فكم من معان دقيقة من أسرار القرآن تخطر على قلب المتجرد للذكر والفكر وتخلو عنها زبر التفاسير ولا يطلع عليها أفاضل المفسرين ولا محققو الفقهاء المعتبرين.

(حديث عُقبةَ بن الحارثِ رضي الله عنه الثابت في صحيح البخاري) أنهُ تزوجَ ابنةً لأبي إهاب بن عزيز، فأتتهُ امرأةٌ فقالت: إني قد أرضعتُ عُقبة والتي قد تزوج بها، فقال لها عُقبةُ: ما أعلم أنك أرضعتني ولا أخبرتني، فركب إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالمدينةِ، فسألهُ، فقالَ رسولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:"كيفَ، وقد قيلَ؟! " ففارقها عقبةُ ونكحت زوجا غيرهُ.

إن عقبة تزوج امرأة ابن أبي إهاب، فلما تزوجها جاءت امرأة فقالت: إني أرضعته هو والمرأة التي تزوجها، يعني فيكون أخاً لها من الرضاع، وأخوها من الرضاع يحرم عليها كما يحرم عليها أخوها من النسب؛ لقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: ((يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب))

ولكن لا بد لهذا شروط.

الشرط الأول: أن يكون اللبن من آدمية، فلو اشترك طفلان في الرضاع من شاة أو من بقرة أو من بعير، فإنهما لا يصيران أخوين؛ لأنه لا بد أن يكون الرضاع من آدمية؛ لقوله تعالى: (وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ) (النساء: 23).

طور بواسطة نورين ميديا © 2015