وأما أهل الفسوق والفجور فإنهم لا يترددون في الآثام، تجد الإنسان منهم يفعل المعصية منشرحاً بها صدره والعياذ بالله، لا يبالي بذلك، لكن صاحبَ الخير الذي وُفق للبر هو الذي يتردد الشيء في نفسه، ولا تطمئن إليه، ويحيك في صدره، فهذا هو الإثم.

وموقف الإنسان من هذا أن يدعه، وأن يتركه إلى شيء تطمئن إليه نفسه، ولا يكون في صدره حرج منه، وهذا هو الورع، ولهذا قال النبي صلى الله عليه الصلاة والسلام: ((وإن أفتاك الناس وأفتوك)) حتى لو أفتاك مفتٍ بأن هذا جائز، ولكن نفسك لم تطمئن ولم تنشرح إليه فدعه، فإن هذا من الخير والبر.

(وكرهت أن يطّلع عليه الناس) أي وجوههم أو أماثلهم الذي يستحيا منهم وحمله على العموم بعيد المراد بالكراهة هنا الدينية الخارمة فخرج العادية كمن يكره أن يرى آكلاً لنحو حياء أو بخل وغير الخارمة كمن يكره أن يركب بين مشاة لنحو تواضع وإنما كان التأثير في النفس علامة للإثم لأنه لا يصدر إلا لشعورها بسوء عاقبته وظاهر الخبر أن مجرد خطور المعصية إثم لوجود الدلالة ولا مخصص وذا من جوامع الكلم لأن البر كلمة جامعة لكل خير والإثم جامع للشر وقال الحرالي: الإثم سوء اعتداء في قول أو فعل أو حال ويقال للكذوب أثوم لاعتدائه بالقول على غيره.

(حديث وابصة بن معبدٍ رضي الله عنه الثابت في صحيح الترغيب والترهيب) أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: أتيتُ رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقالَ: "جئت تسألُ عن البر؟ " قُلتُ نعم، قال: ((استفت قلبك، البرُّ: ما اطمأنت إليه النفسُ، واطمأن إليه القلبُ، والإثم ما حاك في النفسِ وتردد في الصدر، وإن أفتاك الناسُ وأفتوكَ)

[*] قال الإمام المناوي رحمه الله تعالى في فيض القدير:

(استفت قلبك) أي عول على ما فيه لأن للنفس شعوراً بما تحمد عاقبته أو تذم

(وإن) غاية لمقدر دل عليه ما قبله أي فالتزم العمل بما في نفسك ولو

(وإن أفتاك الناسُ وأفتوكَ) بخلافه لأنهم إنما يطلعون على الظواهر

طور بواسطة نورين ميديا © 2015