(3) استبرأ لدينه: حيث سلم من الوقوع في المحرم. ولعرضه: حيث سلم من كلام الناس فيه؛ لأنه إذا أخذ الأمور المشتبهة؛ صار عرضة للكلام فيه، كما إذا أتى الأمور البينة الواضح تحريمها.

(4) ثم ضرب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مثلاً لذلك بالراعي راعي غنم أو إبل أو بقر ((يرعى حول الحمى)) يعني حول الحمى الذي حماه أحد من الناس لا يرعى فيه أحد، ومعلوم أنه إذا حمي؛ ازدهر وكثُر عشبه أو كثر زرعه؛ لأن الناس لا ينتهكونه بالرعي، فالراعي الذي يرعى حول الحمى، يوشك أن يقع فيه؛ لأن البهائم إذا رأت الخضرة في هذا المحمي، ورأت العشب، فإنها تنطلق إليه وتحتاج إلى ملاحظة ومراقبة كبيرة.

ومع ذلك لو لاحظ الإنسان وراقب، فإنه قد يغفل، وقد تغلبه هذه البهائم، فترتع في هذا الحمى ((كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يقع فيه)).

ثم قال عليه الصلاة والسلام: ((ألا وإن لكل ملك حمى)) وهذا يحتمل أن الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال ذلك إقراراً له، وأن الملك له أن يحمي مكاناً معيناً يُكثر فيه العشب لبهائم المسلمين؛ وهي البهائم التي تكون في بيت المال؛ كإبل الصدقة، وخيل الجهاد، وما أشبه ذلك.

وأما الذي يحمي لنفسه فإن ذلك حرامٌ عليه، لا يحل لأحد أن يحمي شيئاً من أرض الله يختص بها دون عباد الله، فإن ذلك حرامٌ عليه؛ لأن المسلمون شركاء في ثلاث: في الماء، والكلأ، والنار" بنص السنة الصحيحة كما في الحديث الآتي:

(حديث ابن عباس رضي الله عنهما الثابت في صحيح ابن ماجه) أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: المسلمون شركاء في ثلاث في الماء والكلأ والنار

فالكلأ لا يجوز لأحد أن يحميه فيضع عليه الشبك، أو يضع عنده جنوداً يمنعون الناس من أن يرعوا فيه، فهو غصب لهذا المكان، وإن لم يكن غصباً خاصاً؛ لأنه ليس ملكاً لأحد، لكنه منع لشيء يشترك فيه الناس جميعاً، فهذا لا يجوز، ولهذا قال أهل العلم: يجوز للإمام أن يتخذ حمى مرعى لدواب المسلمين بشرط ألا يضرهم أيضاً.

فقول الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ألا وإن لكل ملك حمى" يحتمل إنه إقرار، فإن كان كذلك؛ فالمراد به ما يحميه الملك لدواب المسلمين؛ كخيول الجهاد، وإبل الصدقة، وما أشبه ذلك.

والملك له حمى يُحمى سواء بحق أو بغير حق، فإذا جاء الناس يرعون حول الحمى؛ حول الأرض المعشبة المخضرة، فإنهم لا يملكون منع البهائم أن ترتع فيها.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015