ثم قال عليه الصلاة والسلام: ((ألا وإن حمى الله محارمه)) الله عز وجلَّ أحاط الشريعة بسياج محكم، حمى كل شيء محرم يضر الناس في دينهم ودنياهم حماه، وإذا كان الشيء مما تدعو النفوس إليه شدد السياج حوله إذا كان مما تدعو النفوس إليه؛ فإنه يشدد السياح حوله.

انظر مثلاً إلى الزنى والعياذ بالله، الزنى سببه قوة الشهوة وضعف الإيمان، لكن النفوس تدعوا إليه؛ لأنه جبلة وطبيعة، فجعل حوله سياجاً يبعد الناس عنه فقال: (وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى) (الاسراء:32)، لم يقل ولا تزنوا، قال (وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى) يشمل كل ذريعة توصل إلى الزنى من النظر واللمس والمحادثة وغير ذلك.

كذلك الربا حرمه الله عزَّ وجلَّ، ولما كانت النفوس تطلبه لما فيه من الفائدة؛ حرم كل ذريعة إليه فحرم الحيل على الربا ومنعها، وهكذا جعل الله عزَّ وجلَّ للمحارم حمى له تمنع الناس من الوقوع فيها.

(5) ثم قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت؛ صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب)).

((مضغة)) يعني قطعة لحم صغيرة بقدر ما يمضغه الإنسان، صغيرة لكن شأنها عظيم، هي التي تدبر الجسد ((إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله)) ليست العين، ولا الأنف، ولا اللسان، ولا اليد، ولا الرجل، ولا الكبد، ولا غيرها من الأعضاء، إنما هي القلب، ولهذا كان الرسول عليه الصلاة والسلام يقول: ((اللهم مقلب القلوب ثبت قلوبنا على دينك، اللهم مصرف القلوب صرَّف قلوبنا إلى طاعتك)).

فالإنسان مدار صلاحه وفساده على القلب. ولهذا ينبغي لك أيها المسلم أن تعتني بصلاح قلبك، فلاح الظواهر وأعمال الجوارح طيب، ولكن الشأن كل الشأن في صلاح القلب، يقول الله عن المنافقين: (وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ) (المنافقون: 4) (وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ) من الهيئة الحسنة، وحسن عمل الجوارح، وإذا قالوا، قالوا قولاً تسمع له من حسنه وزخرفته، لكن قلوبهم خربة والعياذ بالله (كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ) (المنافقون: 4) ليس فيها خير.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015