وبهذا صارت منزلة الزاهد أرفع من منزلة الورع، وربما يطلق أحدهما على الآخر؛ فالورعَ ترك ما يضر، ومن ذلك ترك الأشياء المشتبهة؛ المشتبهة في حكمها، والمشتبهة في حقيقتها، فالأول اشتباه في الحكم والثاني اشتباه في الحال، فالإنسان الورع هو الذي إذا اشتبه الأمر عليه تركه إن كان اشتباهاً في تحريمه، وفعله إن كان اشتباهاً في وجوبه لئلا يأثم بالترك.

[*] والسنة الصحيحة طافحةٌ بالحث على الورع منها ما يلي:

(حديث النعمان بن بشير الثابت في الصحيحين) أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: الحلال بين و الحرام بين و بينهما أمور مشتبهات لا يعلمها كثير من الناس فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لعرضه و دينه و من وقع في الشبهات وقع في الحرام كراع يرعى حول الحمى يوشك أن يواقعه ألا و إن لكل ملك حمى ألا و إن حمى الله تعالى في أرضه محارمه ألا و إن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله و إذا فسدت فسد الجسد كله ألا و هي القلب.

وقد تضمن هذا الحديث غرر الفوائد، ودرر الفرائد منها ما يلي:

(1) قسم النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الأمور إلى ثلاثة أقسام: حلال بيّن، ومشتبه.

فالحلال البيّن؛ كحلَّ بهيمة الأنعام، والحرام البين؛ كتحريم الميتة، والدم، ولحم الخنزير، وما أشبه ذلك، وكلّ ما في القرآن من كلمة ((أحلَّ)) فهو حلال، ومن كلمة ((حرّم)) فهو حرام، فقوله تعالى: (وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ) (البقرة: 275) هذا حلال بيّن، وقوله تعالى: (وَحَرَّمَ الرِّبا) (البقرة: 275) هذا حرامٌ بيّن.

(2) هناك أمور مشتبهات تخفى على الناس، وأسباب الخفاء كثيرة، منها ألا يكون النصُّ ثابتاً عند الإنسان، يعني يتردد: هل يصح عن الرسول عليه الصلاة والسلام أو لا يصح، ثم إذا صح قد تشتبه دلالته: هل يدل على كذا أو لا يدل؟ ثم إذا دلّ على شيء معين فقد يشتبه: هل له مخصص إن كان عاماًّ؟ هل له مقيد إن كان مطلقاً؟ ثم إذا تبين قد يشتبه: هل هو باقٍ أو منسوخ.

المهم أن أسباب الاشتباه كثيرة، فما هو الطريق إلى حل هذا الاشتباه؟ والجواب: أن الطريق بينه النبي صلى عليه الصلاة والسلام فقال: ((فمن اتقى الشبهات؛ استبرأ لدينه وعرضه)) من أتقاها يعني تجنبها إلى الشيء الواضح البيّن؛ فقد استبرأ لدينه وعرضه.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015