قيل لبعض العلماء، وقد اعتزل الناس وكان منطويًا عنهم: لِمَ امتنعت عن المخالطة؟ فقال: وماذا أصنع بأقوام يخفون عني عيوبي.

فكانت شهوة صاحب الدين في التنبيه على العيوب، عكس ما نحن عليه، وهو أن أبغض الناس إلينا الناصحين لنا والمنبهين لنا على عيوبنا، وأحب الناس إلينا الذي يمدحوننا مع أن المدح فيه أضرار عظيمة كالكبر والإعجاب والكذب.

وهذا دليل على ضعف الإيمان فإن الأخلاق السيئة أعظم ضررًا من الحيات والعقارب ونحوها.

ولو أن إنسانًا نبهك على أن في ثوبك أو خفك أو فراشك حية أو عقربًا لشكرته ودعوت له وأعظمت صنيعه ونصيحته واجتهدت واشتغلت في إبعادها عنك وحرصت على قتلها.

وهذه ضررها على البدن فقط ويدوم ألمها زمن يسير وضرر الأخلاق الرديئة على القلب ويخشى أن تدوم حتى بعد الموت ولا نفرح بمن ينبهنا عليها ولا نشتغل بإزالتها.

بل نقابل نصح الناصح بقولنا له: تبكيتًا وتخجيلاً وأنت فيك وفيك ناظر نفسك ولا عليك منا كلٌ أبصر بنفسه.

ونشتغل بالعداوة معه عن الانتفاع بنصحه بدل ما نشكره على نصحه لنا بتنبيهه لنا على عيوبنا، فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

(أخي الحبيب:

عُد على نفسك باللوم والمقت واحذرها فكم ضيعت عليك من وقت، واندم على زمان الهوى فمن كيسك أنفقت، ونادها يا محل كل بلية فقد والله صدقت 0

[*] (روى وهب بن منبه: أن رجلاً صام سبعين سنة يأكل كل سنة إحدى عشرة تمرة وطلب حاجة من الله فلم يعطها فأقبل على نفسه فقال: من قبلك بليت لو كان فيك خيراً أعطيت فنزل إليه ملك فقال: إن ساعتك هذه التي ازدريت فيها على نفسك خير من عبادتك وقد أعطاك الله حاجتك 0

[*] (وقال فضيل بن عياض: أخذت بيد سفيان بن عيينة في هذا الوادي فقلت له: إن كنت تظن أنه قد بقي على وجه الأرض شر مني ومنك فبئس ما ترى 0

إخواني: من تفكر في ذنوبه تاب ورجع ومن تذكر قبيح عيوبه ذل وخضع، ومن علم أن الهوى يسكن تصبر ومن تلمح إساءته لم يتكبر 0

[*] (كان يزيد الرقاشي يقول: والهفاه سبق العابدون وقطع بي وكان قد صام أثنين وأربعين سنة 0

طور بواسطة نورين ميديا © 2015