(يا من نسي العهد القديم وخان، من الذي سواك في صورة الإنسان من الذي غذاك في أعجب مكان، من الذي بقدرته استقام الجثمان الذي بحكمته أبصرت العينان، من الذي بصنعته سمعت الأذنان، من الذي وهب العقل فاستبان للرشد وبان، من الذي بارزته بالخطايا وهو يستر العصيان، مَنِ الذي تركت شكره فلم يؤاخذ بالكفران، إلى كم تخالفه وما يصبر على الخلاف الأبوان، وتعامله بالغدر الذي لا يرضاه الإخوان، وتنفق في خِلافه ما عَزَّ وهان، ولو علم الناس منك ما يعلم: ما جالسوك في مكان، فارجع إليَّه ما دمت في زمن الإمكان، وتب إليه فإنه الرحيم الرحمن، عساه أن يعفو عما سلف وكان من الذنوب والعصيان.

يا نفس: بادري بالأوقات قبل انصرامها واجتهدي في حراسة ليالي الحياة وأيامها فكأنك بالقبور وقد تشققت وبالأمور وقد تحققت وبوجوه المتقين وقد أشرقت وبرءوس العصاة وقد أطرقت 0 يا نفس: أما الورعون فقد جدلوا وأما الخائفون فد استعدوا وأما الصالحون فقد راحوا وأما الواعظون فقد صاحوا 0

يا نفس: اتعبي قليلاً تستريحي في الفردوس كثيراً كأنك بالتعب قد مضى وبحرصك من اللعب قد مضى وثمر الصبر قد أثمر حلاوة الرضا لا يطمعن البطال في إدراك الأبطال هيهات أن يدرك البطل المجتهد من غاب حين النزال فما شهد حفت الجنة بالمكاره فلا يوصل إليها إلا بالمضض كذلك كل محبوب يلذ وكل عرض من غير مشقة وإلا متى لم يبعد على طالبٍ المشقة: العلم لا يحصل إلا بالنصب والمال لا يجمع إلا بالتعب واسم الجواد لا يناله بخيل ولا يلقب بالشجاع إلا بعد تعب طويل 0 لَولا المشَقَة سادَ الناس كُلَهُم الجود يفقر والإِقبالُ قتَّالُ

(أخي الحبيب:

(أو ما علمت أن معالي الأُمور لا تنال بالفتور، وإنما تنال بالجد والاجتهاد والتشمرِ ليومِ المعاد، وخلعِ الراحة واستفراغ الوسع في الطاعة، أو ما علمت أن من جد وجد ومن زرع حصد، وليس من سهر كمن رقد والأمور تحتاج إلى وثبة أسد، فإذا عزمت فبادر وإذا هممت فثابر، واعلم أنه لا يدرك المفاخر من كان في الصف الآخر.

يا ضعيف العزم: أين أنت والطريق نصب فيه " آدم " وناح لأجله " نوح " ورمي في النار " الخليل " واضطجع للذبح " اسحاق " وبيع " يوسف " بدراهم بخس ونشر بالمناشير " زكريا " وذبح الحصور " يحيى " وضني بالبلاء " أيوب " وزاد على القدر بكاء " داود " وتنغص في الملك عيش " سليمان " وتخير بأرني " موسى " وهام مع الوحوش " عيسى " وعالج الفقر " محمد ".

طور بواسطة نورين ميديا © 2015