لم يعجب اعتزالي أولئك المهتمّين بالفن، وبدأت العروض المغرية تنهال عليّ بأكثر ممّا أتوقّع، واعتقدت في نفسي أنّ هذه العروض ما هي إلا اختبارات حقيقيّة من الله تعالى ليختبر صدق إيماني؛ هل أنا صادقة في توبتي أم أنّها لحظات مؤقّتة، وأعود بعدها لأنجذب من جديد لهذه العروض الشيطانية، ووقفت أتحدّاهم بالرفض، وأتحدّى نفسي، وأوّل هذه العروض التي رفضتها كانت بمبلغ ضخم للعمل في مسرحية مع ممثل مشهور تستمّر عروضه المسرحية لسنوات عديدة. وثاني هذه العروض جاءني من شركة سياحية لا أعرف لحساب من تعمل، إذ عرضت عليّ أن أذهب إلى ألمانيا لتعليم الرقص الشرقي بمبلغ عشرة آلاف دولار شهريّاً، وسيّارات أحدث موديل، وشقّة فخمة في حي راقٍ بألمانيا. رفضت كلّ ذلك ولم يصدّقوا، فاتّصلوا بي وأملوا حججهم: كيف ترفضين عرضاً كهذا؟ فسوف تعملين بالحجاب، ثمّ إنّ الفتيات اللاتي ستقومين بتعليمهنّ لسن على دينك، فلماذا ترفضين؟! وكان ردّي: إنّ كلّ بنت صغيرة، أو فتاة يافعة سوف أقوم بتعليمها سوف آخذ وزرها حتى لو كانت غير مسلمة.
أمّا السؤال الأكثر وقاحة، الذي لم أكن أتوقّعه، فقد قيل له: إذا كنت اعتزلتِ، حذا حذوك راقصات، فأين يذهب الرقص الشرقي؟! (?).
وأسئلة أخرى أكثر سخافة وفضوليّة، مثل: من أين تدبّرين أمورك؟ وتربيّن ابنتكِ؟ فأجبتهم بالرفض القاطع من أجل أن أعيش بقية عمري تحت مظلّة الإيمان، وقلت: أنا سعيدة بوضعي الجديد، وقانعة به، وسوف يرزقني ربّي، ولن يتخلّى عنّي بعد أن منّ عليّ بالتوبة.
أمّا العرض الأكثر إغراء الذي لم أتوقَّعه في حياتي البتّة، فقد تلقّيته من أحد الغيورين (!) على اندثار الرقص الشرقيّ بخمسين ألف دولار نظير إحياء ليلة واحدة من الرقص، أحييه وسط النساء فقط، ولمدّة ساعتين، وكان جوابي الصارم: لا، وألف لا، لأنّ هذه المحاولة دوافعها مفهومة لي، فإذا كان أكبر أجر تلقّيته في حياتي أثناء عملي في دول أوربيّة كان ألفين أو ثلاثة أو أربعة آلاف دولار، نظير عقد كامل لمدّة معينة؛ فلماذا يعرض عليّ هذا المبلغ نظير إحياء ليلة واحدة؟! المقصود هو إخراجي من حجابي، ومن دائرة إيماني التي ولجت فيها عن صدق ويقين.
بعد هذا الرفض الأخير أصابهم اليأس، وتوقّفوا عن محاولاتهم الدنيئة لإغرائي بالابتعاد عن طريق النور الذي سلكته و رضيته، والحمد لله على كلّ حال ..