وفي الأيّام الأخيرة كنت أشعر شعوراً حقيقيّاً بالشوك يشكّني في جسدي كلّما ارتديت بدلة الرقص، وفي مرّة من المرّات كنت أصلّي، وأبكي، وأدعو الله أن يتوب عليّ من هذا العمل الذي يبغضه، وفجأة .. وأثناء دعائي وتضرّعي بين يدي الله قمت من فوري لأتوجّه إلى خزانة ملابسي، وفتحتها، ونظرت إلى بدل الرقص باحتقار شديد، وقلت بصوت عالٍ أشبه بالصراخ: لن أرتديكِ بعد اليوم. وكرّرت هذه الجملة كثيراً، وأنا أبكي كما لم أبكِ من قبل. وبعد هذه النوبة البكائية شعرت براحة نفسيّة عجيبة، تسري في أنحاء جسدي، وتُدخلني في حالة إيمانية أخرى مكّنتني من التخلّص من حياتي السابقة بيسر وسهولة، ولو كنت في أمسّ الحاجة إلى المال الذي أعول به نفسي، وأمّي، وأخواتي، وابنتي.
لقد جاء قرار الاعتزال من أعماقي، وسبقه وقت أمضيته في التفكير والبكاء، ومراجعة النفس، حتّى رسوت على شاطيء اليقين بعد حيرة وعذاب، وشهرة زائفة، وعمل مُرهِق مجرّد من الإنسانية والكرامة، كلّه ابتذال ومهانة وعريّ، وعيون شيطانيّة زائغة تلتهم جسدي كلّ ليلة، ولا أقدر على ردّها.
هذه الرجعة إلى طريق النور منّة من الله سبحانه وتعالى وحده، فهو الذي امتنّ عليّ بها، وليس لأحد من الخلق أيّ فضل فيها.
ثمّ أديت العمرة مرّتين، وفي المرّة الثانية بعد أن عدت إلى بلدي، قرّرت الاعتزال النهائي، وبعدها بشهرين فقط كتب الله لي الحجّ، وفهمت بأنه مكافأة من الله عزّ وجلّ، وفي الحجّ، ونحن على صعيد عرفات الطاهر، بكيت بكاء أشبه بالهستيريا، حتّى بكى لبكائي جميع من في الخيمة، ثمّ عدت من الحجّ بحجاب كامل، أدعو الله أن يغفر لي، وأن يسامحني، لأنّني كنت في غفلة، لا أدرك ما أعمله حرام، ولم يعظني أحد في ذلك.