الرابع أنه كان في الظاهر مملوكاً لها في الدار؛ فقد اشتري بثمن بخس دراهم معدودة، والمملوك لا يتصرف في أمر نفسه، وليس وازعه كوازع الحر، والمملوك كذلك يدخل، ويخرج، ويحضر معها، ولا يُنكر عليه؛ فكان الأنس سابقاً على الطلب، وهو من أقوى الدواعي.

الخامس أنه كان غريباً، وفي بلاد غربة، والغريب يتأتَّى له في بلد غربته من قضاء الوطر ما لا يتأتى له في وطنه، وبين أهله ومعارفه.

السادس أن المرأة كانت ذات منصب وجمال؛ بحيث إن كل واحد من هذين الأمرين يدعو إلى مواقعتها.

السابع أنها غير ممتنعة ولا أبيَّة؛ فإن كثيراً من الناس يزيل رغبته في المرأة إباؤها وامتناعها؛ لما يجد في نفسه من ذل الخضوع والسؤال لها.

الثامن أنها طلبت، وأرادت، وراودت، وبذلت الجهد، فكَفَتْه مؤنة الطلب، وذل الرغبة إليها، بل كانت هي الراغبة الذليلة، وهو العزيز المرغوب إليه.

وكثير من الناس يداخله الزهو إذا أشارت إليه المرأة باليد أو بطرف العين.

التاسع أنه في دارها، وتحت سلطانها وقهرها؛ بحيث يخشى إن لم يطاوعْها أن تؤذيه؛ فاجتمع له داعي الرغبة والرهبة.

العاشر أنه في مأمن من الفضيحة؛ فلا يخشى أن تنم عليه هي ولا أحد من جهتها؛ فإنها هي الطالبة الراغبة، وقد غلّقت الأبواب، وغيبت الرقباء.

الحادي عشر أنها قد أخذت كامل زينتها، وتهيأت غاية ما يمكن، وقالت: (هيت لك) وفي قراءة هئت لك.

الثاني عشر أنها استعانت عليه بأئمة المكر والاحتيال، وهن النسوة التي أرته إياهن؛ حيث شكت حالها إليهن، لتستعين بهن عليه، فاستعان هو بالله عليهن فقال: (وَإِلاَّ تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنْ الْجَاهِلِينَ) [يوسف:33]

الثالث عشر أنها توعدته بالسجن والصغار، وهذا نوع إكراه؛ إذ هو تهديدُ مَنْ يغلب على الظن وقوع ما هدد به؛ فيجتمع داعي الشهوة وداعي السلامة من ضيق السجن والصغار.

الرابع عشر أن الزوج لم يظهر من الغيرة والنخوة ما يفرق به بينهما، ويبعد كلاً منهما عن صاحبه.

بل غاية ما قابلها به أن قال ليوسف: (يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا) [يوسف: 29] وللمرأة: (وَاسْتَغْفِرِي لِذَنْبِكِ إِنَّكِ كُنتِ مِنْ الْخَاطِئِينَ) [يوسف: 29]

وشدة الغيرة للرجل من أقوى الموانع، وهذا لم يظهر منه غيرةٌ.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015