وتأمل في الحديث الآتي بعين البصيرة وأمْعِنِ النظر فيه واجعل له من سمعك مسمعا وفي قلبك موقِعاً عسى الله أن ينفعك بما فيه من غرر الفوائد، ودرر الفرائد.
(حديث أبي موسى الثابت الثابت في الصحيحين) قال، كان رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذا أتاه طالبُ حاجةٍ أقبل على جُلسائه فقال: (اشفعوا تؤجروا ويقضي الله على لسان نبيه ما أحب)
(أما إذا كانت الوجاهة للرياء والسمعة، ولأجل أن يتردد الذكر على الألسنة وفي المجالس، أو الصحف فإنها شقاء أيما شقاء؛ فأهلها يعانون من تبعاتها، ويلاقون الأمرَّين من ويلاتها؛ فهذه أموال تبذل فيما لا طائل تحته، ولا فائدة من ورائه، وهذه مجاملات تأخذ نصيبها من وقت الوجيه وصحته وسعادته الحقة.
ثم ما حال الوجيه إذا زلت به القدم، ونزلت به المكانة؟
إنها الحسرة والندامة إن لم يكن ذا نفس كريمة وإيمان وصبر.
رابعاً: حال أهل الرياسة مع السعادة:
وإذا أتيت إلى أهل الرياسات، وذوي المناصب العالية، والرتب الرفيعة لم تجد السعادة الحقة عندهم إلا في القليل النادر، وعند القليل منهم؛ ذلك لأنهم رؤوس، والرأس كثير الأذى، ولأن الرياسة هَمٌّ في الدنيا، وحسرة وندامة في الآخرة إن لم يقم صاحبها بحقها.
ثم إن صاحب المنصب والرياسة قلما يفارقه الهم؛ خوفاً على رياسته أن تزول، وإذا زالت بقي محسوراً معذباً يقرع سنه، ويقلب كفيه ما لم يكن ذا مروءة صادقة، وديانة حقة؛ فذلك لا تطيش به الولاية في زهو، ولا ينزل به العزل في حسرة.
وكثير من أهل الرياسة يعربون عن مدى ما يعانون، وعن قلة نصيبهم من السعادة الحقة؛ فها هو الملك حسين بن طلال الذي تربع على عرش الأردن مدة تزيد على خمس وأربعين سنة، قضى معظمها في ريعان شبابه؛ حيث تولى الملك وعمره ست عشرة سنة، وتوفي في الثالثة والستين من عمره بعد صراع مرير مع مرض السرطان، ها هو يقول في الفصل الأخير من كتابه مهنتي كملك الذي روى فيه ذكرياته، والأحداث التي مرت به في حياته حتى مرحلة السبعينات الميلادية:
إنني أعتقد بأن من العسير جداً إدراك السعادة في هذه الدنيا سواء كان المرء ملكاً أم إنساناً عادياً؛ ما هي السعادة بالنسبة للأغلبية العظمى من الناس؟ إنها الحصول على عمل مغرٍ ممتع، وعلى راتب جيد، وأسرة لطيفة تستعذبها النفس، والقيام بالرحلات من وقت إلى آخر، وأن يكون للمرء بعض الأصدقاء، وأن يساعد الناس، ويساعدوه.