لقد نلت كل ذلك، وما زال كل ذلك في متناول يدي، ولكن هل يعني هذا حقاً أنني سعيد؟
لا أعتقد ذلك، نعم لقد كانت حياتي خصبة مليئة كما قلت ولربما لم يعرف مثلها إلا القليل من الناس، لقد عرفت السراء والضراء، ولعل الضراء رجحت على السراء، وعانيت لحظات في غاية الشدة، ومرت بي فترات في أقصى درجات الضيق، ومرت بي أوقات كنت أشعر فيها بأنني في منتهي العزلة، وعرفت الحداد والأحزان، والنادر من الفرح، والقليل من السعادة، لقد عرفت كل ما يمكن أن يعرفه كائن بشري: الجوع، والعطش، والإذلال، والهزيمة، والنادر من اليسار والبحبوحة، والقليل من السلام والراحة والابتهاج.
(إلى أن قال: إن حياتي الخاصة والعائلية غير منظمة؛ فأعباء الدولة تحول بيني وبين أن أكون لهذه الكائنات الإنسانية العزيزة الغالية بالقدر الذي أرغب وأتوق إليه، وطالما اضطررت أن أخيب آمالهم في الوقت الذي ينتظرونني فيه؛ لتناول طعام الغداء معي، فأحتبس نفسي مع زائر أجنبي، أو سياسي أردني، ثم في حوالي الساعة الرابعة أو الخامسة بعد الظهر أطلب إحضار بعض الشطائر لآكلها وأنا منهمك في عملي.
أما في المساء فإنني أغادر مائدة العمل في الساعة الثامنة أو التاسعة، ويكون أولادي عندها قد استسلموا إلى الرقاد، وتبقى في انتظاري زوجتي وأولادي ليمنحوني الحرارة التي افتقدتها، والتي أشعر بأنني في مسيس الحاجة إليها (?).
ثم إن المنصب قد يكون سبباً في هلاك صاحبه، أو تشرده، وشماتة الأعداء به؛ فها هو شاه إيران الذي كان يتبختر كالطاووس كبراً وتيهاً، والذي كان يتقلب في الترف والنعيم، والذي أقام حفلاً ليعيد فيه ذكرى مرور ألفين وخمسمائة سنة على قيام الدولة الفارسية، وأراد من ذلك مسخ الإسلام، وبسط سلطانه على الخليج، ومن ثم العالم العربي؛ ليلتقي مع اليهود، كيف كانت نهايته؟
لقد أزيح عن سلطانه، وجُرد من كافة امتيازاته، وبعد ذلك تشرد، وطرد، ولم يجد بلداً يؤيه، وظل على هذه الحال حتى مات شريداً طريداً بعيداً عن وطنه بعد أن أضناه الهم، وفتك به السرطان.
أما أولاده، وأهله، وحاشيته فقد أصبحوا شذر مذر، متفرقين في عدة قارات!!.
وهذا رئيس الفلبين السابق فيرديناند ماركوس الذي بلغ الغاية في الترف، والنعيم، والتجبر؛ ماذا كانت نهايته؟.