ذلك أن الفراغ يأتي على رأس الأسباب المباشرة للانحراف؛ فالقطاع الكبير من الشباب يعاني من فراغ قاتل يؤدي إلى الانحراف والشذوذ، وإدمان المخدرات، ويقود إلى رفقة السوء، وعصابات الإجرام، ويتسبب في تدهور الأخلاق، وضيعة الآداب.
فإذا اشتغل الإنسان بما ينفعه في دينه ودنياه قلَّت بطالته، ولم يجد فرصة للفساد والإفساد.
[*] (قال ابن القيم رحمه الله تعالى: ومن أعظم الأشياء ضرراً على العبد بطالته وفراغه؛ فإن النفس لا تقعد فارغة، بل إن لم يشغلها بما ينفعها شغلته بما يضره ولابد (?).
(8) البعد عن المثيرات، وما يذكر بالمعصية:
فيبتعد عن كل ما يثير فيه دواعي المعصية، ونوازع الشر، ويبتعد عن كل ما يثير شهوته، ويحرك غريزته من مشاهدة للأفلام الخليعة، وسماع للأغاني الماجنة، وقراءة للكتب السيئة، والمجلات الداعرة.
كما عليه أن يقطع صلته بكل ما يذكره بالمعصية من أماكن الخنا، ومنتديات الرذيلة التي تذكره بالمعصية، وتدعوه إليها؛ فالشيء إذا قطعت أسبابه التي تمده زال واضمحل؛ فالقرب من المثيرات بلاء وشقاء، والبعد عنها جفاء وعزاء؛ فكل بعيد عن البدن يؤثر بعده في القلب؛ فليصبر على مضض الفراق صبر المصاب في بداية المصيبة، ثم إن مر الأيام يهون الأمر، خصوصاً إذا كان ذلك مما يثير العشق والغرام، قال زهير بن الحباب الكلبي:
إذا ما شئت أن تسلو حبيباً ... فأكثر دونه عدد الليالي
فما سلى حبيبك غيرُ نأي ... ولا أبلى جديدك كابتذال (?)
وقال امرؤ القيس:
وإنك لم تقطع لبانة عاشق ... بمثل رواح أو غدوٍّ مأوِّبِ (?)
ومن البعد عن المثيرات أن يبتعد الإنسان عن الفتن؛ لأن البعد عنها نجاة وسلامة، والقرب منها مدعاة للوقوع فيها.
[*] (قال ابن الجوزي رحمه الله تعالى: من قارب الفتنة بعدت عنه السلامة، ومن ادعى الصبر وكل إلى نفسه، وربَّ نظرةٍ لم تناظِر (?).
وأحق الأشياء بالضبط والقهر اللسان والعين؛ فإياك أن تغتر بعزمك على ترك الهوى مع مقاربة الفتنة؛ فإن الهوى مكايد، وكم من شجاع في الحرب اغتيل، فأتاه ما لم يحتسب.