(وقال متحدثاً عن الأسباب التي تعين الإنسان على الصبر على المعصية: =السبب الثامن: قصر الأمل، وعلمه بسرعة انتقاله، وأنه كمسافر دخل قرية وهو مُزْمعٌ على الخروج منها، أو كراكب قال في ظل شجرة ثم سار وتركها؛ فهو لعلمه بقلة مقامه وسرعة انتقاله حريص على ترك ما يثقله حمله ويضره ولا ينفعه، حريص على الانتقال بخير ما بحضرته؛ فليس للعبد أنفع من قصر الأمل، ولا أضر من التسويف وطول الأمل (?).
(5) الدعاء:
ما ضاق بالمرء أمر فاستعد له ... عبادة الله إلا جاءه الفرج
ولا أناخ بباب الله ذو ألم ... إلا تزحزح عنه الهم والفرج
[*] (قال ابن الجوزي رحمه الله تعالى: أيها المذنب قف بالباب إذا نام الناس، وابسط لسان الاعتذار، ونكس الرأس، وامدد بعد السؤال ولا بأس، وقل ليس عندي سوى الفقر والإفلاس (?).
وكان من دعاء عباد الله المؤمنين: (رَبَّنَا إِنَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) [آل عمران: 16]
إلى غير ذلك من الأدعية الكثيرة الواردة على هذا النحو.
فحري بمن أراد التوبة أن يسأل ربه أن يرزقه إياها، وأن يلح عليه بذلك، وأن يتحين الأوقات، والأحوال، والأوضاع، التي هي مظان الإجابة، كالدعاء في السجود، وفي آخر الليل، وبين الأذان والإقامة، وفي حال إقبال القلب، واشتداد الإخلاص، والاضطرار إلى غير ذلك.
وعليه أيضاً أن يتجنب موانع الإجابة، وألا يستعجل الإجابة، فيدع الدعاء.
ومن كانت هذه حاله كان حريَّاً بأن يجاب دعاؤه (?).
فهو من أعظم الأسباب، وأنفع الأدوية، ومن أعظم ما يسأل ويدعى به سؤال الله التوبة النصوح، ولذا كان من دعاء نبي الله إبراهيم وابنه إسماعيل عليهما السلام: رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِن ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُّسْلِمَةً لَّكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ [البقرة:128]
(حديث ابن عمر رضي الله عنهما الثابت في صحيحي أبي داوود و الترمذي) قال: إن كنا لنعد لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في المجلس الواحد مائة مرة رب اغفر لي وتب علي إنك أنت التواب الرحيم.
ومن أعظم ما يُسأل، ويدعى به سؤال الله التوبة؛ وذلك بأن يدعو الإنسان ربه أن يمن عليه بالتوبة النصوح، مهما كانت حاله.