(ومن أسرار التوبة: أن يعامل العبد بني جنسه بما يحب أن يعامله الله به: فيعامل بني جنسه في زلاتهم، وإساءاتهم بما يحب أن يعامله الله به في إساءاته وزلاته، وذنوبه؛ فإن الجزاء من جنس العمل؛ فمن عفى عفى الله عنه، ومن استقصى استقصى الله عليه وهكذا ...

(ومن أسرار التوبة: إقامة المعاذير للخلق: فإذا أذنب العبد أقام المعاذير للخلق، واتسعت رحمته لهم، واستراح من الضيق والحصر وأكْل بعضه بعضاً، واستراح العصاة من دعائه عليهم، وقنوطه من هدايتهم؛ فإنه إذا أذنب رأى نفسه واحداً منهم؛ فهو يسأل الله لهم المغفرة، ويرجو لهم ما يرجوه لنفسه، ويخاف عليهم ما يخافه على نفسه.

ومع هذا فيقيم أمر الله فيهم؛ طاعة لله، ورحمة بهم، وإحساناً إليهم؛ إذ هو عين مصلحتهم لا غلظة، ولا فظاظة.

(ومن أسرار التوبة: معرفة نعمة معافاة الله: فإن من تربى في العافية لا يعلم ما يقاسيه المبتلى، ولا يعرف مقدار العافية؛ فلو عرف أهل الطاعة أنهم هم المنعم عليهم في الحقيقة لعلموا أن لله عليهم من الشكر أضعافَ ما على غيرهم وإن توسدوا التراب، ومضغوا الحصى؛ فهم أهل النعمة المطلقة، وأن من خلى الله بينه وبين معاصيه فقد سقط من عينه، وهان عليه.

فإذا طالبت العبدَ نفسُه بما تطالبه من الحظوظ والأقسام، وأرَتْه أنه في بلية وضائقة، تداركه الله برحمته، وابتلاه ببعض الذنوب، فرأى ما كان فيه من المعافاة والنعمة، وأنه لا نسبة لما كان فيه من النعم إلى ما طلبته نفسه من الحظوظ؛ فحينئذ يكون أكثر أمانيه وآماله العودَ إلى حاله، وأن يمتعه الله بعافيته.

(ومن أسرار التوبة: التحرز والتيقظ من العدو: فإذا تاب العبد، وأدرك ما هو فيه من الخطأ، وندم على ما كان منه من التفريط أوجب له ذلك تمام التحرز، والتيقظ؛ فيعلم من أين يدخل عليه اللصوص، والقطاع؟ ويعرف مكامنَهم، ومن أين يخرجون عليه؟ ومتى يخرجون؟ فهو قد استعد لهم، وتأهب، وعرف بماذا يستدفع شرهم وكيدهم؛ فلو أنه مر عليهم على غرَّة وطمأنينة لم يأمن أن يظفروا به، ويجتاحوه جملة.

(ومن أسرار التوبة: التوبة سبيل لإغاظة الشيطان ومراغمته: فالقلب يذهل عن عدوه؛ فإذا أصابه منه مكروه استجمعت له قوته، وطلب بثأره إن كان قلبه حُرَّاً كريماً، كالرجل الشجاع إذا جرح فإنه لا يقوم له شيء، بل تراه بعدها هائجاً، طالباً، مقداماً، والقلب المَهِين كالرجل الضعيف المهين؛ إذا جرح ولى هارباً، والجراحات في أكتافه.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015