ومن معرفة عزته في قضائه أن يعرف أنه مدبر مقهور ناصيته بيد غيره، لا عصمة له إلا بعصمته ولا توفيق له إلا بمعونته فهو ذليل حقير في قبضة عزيز حميد، ومن شهود عزته في قضائه أن يشهد أن الكمال والحمد والعزة كلها لله وأن العبد نفسه أولى بالتقصير والذم والعيب والظلم والحاجة، ـ وكلما ازداد شهوده لذله ونقصه وعيبه وفقره ازداد شهوداً لعزة الله وكماله –وحده –غناه.

(ومن أسرار التوبة: أن التوبة توجب للتائب آثاراً عجيبة من المقامات التي لا تحصل بدون التوبة: فتوجب له المحبة، والرقة، واللطف، وشكر الله، وحمده، والرضا عنه؛ فَرُتِّب له على ذلك أنواع من النعم لا يهتدي العبد لتفاصيلها، بل لا يزال يتقلب في بركتها وآثارها ما لم ينقضها أو يفسدها.

(ومن أسرار التوبة: أن يعلم بره سبحانه في ستره عليه حال ارتكاب المعصية مع كمال رؤيته له ولو شاء لفضحه بين خلقه، ومنها مشاهد حلم الله عز وجل في إمهال راكب الخطيئة ولو شاء لعاجله بالعقوبة فيحدث له معرفة ربه سبحانه باسمه " الحليم ".

(ومن أسرار التوبة: أن يعرف العبد حاجته إلى حفظ الله ومعونته وصيانته: وأنه كالوليد في حاجته إلى من يحفظه؛ فإنه إن لم يحفظه مولاه، ويصونَه، ويعينه فهو هالك ولا بد.

(ومن أسرار التوبة: أن يعرف العبد حقيقة نفسه: وأنها الظالمة الجهول، وأن ما صدر منها من شر فقد صدر من أهله ومعدنه؛ إذ الجهل والظلم منبع الشر كله، وأن كل ما فيها من خير، وعلم، وهدى، وإنابة وتقوى فهو من ربها الذي زكاها، وأعطاها إياه، فإذا ابتلي العبد بالذنب عرف نفسه، ونقصها؛ فَرُتّب له على ذلك حكم ومصالح عديدة، منها أن يأنف نقصها، ويجتهد في كمالها، ومنها أن يعلم فقرها إلى من يتولاها، ويحفظها.

(ومن أسرار التوبة: تعريف العبد بكرم الله وستره، وسعة حلمه: وأنه لو شاء لعاجله على الذنب، ولهتك ستره بين العباد؛ فلم يطب له عيش معهم أبداً، ولكنه الله تعالى جلَّله بستره، وغشَّاه بحلمه، وقيض له من يحفظه_وهو في حالته هذه_بل كان شاهداً عليه وهو يبارزه بالمعاصي والآثام، ومع ذلك يحرسه بعينه التي لا تنام.

(ومن أسرار التوبة: تعريف العبد بكرم الله في قبول التوبة: فلا سبيل إلى النجاة إلا بعفو الله، وكرمه، ومغفرته؛ فهو الذي جاد عليه بأن وفقه للتوبة، وألهمه إياها ثم قبلها منه، فتاب عليه أولاً وآخراً.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015