يقول: فلما رأيت أن الزمان أشرف شيء، والواجب انتهازه بفعل الخير كرهت ذلك، وبقيت معهم بين أمرين: إن أنكرت عليهم وقعت وحشة لمواضع قطع المألوف، وإن تقبلته منهم ضاع الزمان، فصرت أدافع اللقاء جهدي أي: يهرب بقدر المستطاع من اللقاء، كما حكى بعض العلماء عن السلف فقال: إن العلماء إذا علموا عملوا، فإذا عملوا شغلوا، فإذا شغلوا طلبوا، فإذا طلبوا هربوا، فمن ثمَّ يقول الإمام ابن الجوزي: فصرت أدافع اللقاء جهدي، فإذا غلبت قصرت في الكلام لأتعجل الفراق، ثم أعددت أعمالاً لا تمنع من المحادثة. أي: ترك وظائف معينة لم يعملها في بيته، فإذا حصلت زيارة من هذه الزيارات التي تضيع الوقت في الكلام الذي لا يفيد فقد خصص هذا الوقت للأفعال التي تحتاج وقتاً ولا تحتاج إلى تركيز ذهني، فلذلك يقول: ثم أعددت أعمالاً لا تمنع من المحادثة لأوقات لقائهم؛ لئلا يضيع الزمان فارغاً، فجعلت من المستعد للقائهم قطع الكاغد -أي: تقطيع الأوراق- وبري الأقلام، وحزم الدفاتر، فإن هذه الأشياء لابد منها، ولا تحتاج إلى فكر وحضور قلب، فأرصدتها لأوقات زيارتهم؛ لئلا يضيع شيء من وقتي. ......
[*] • قال ابن عبد الهادي: لا أعلم أحدا صنف أكثر من ابن الجوزي إلا شيخنا الإمام الرباني أبا العباس أحمد بن عبد الحليم الحراني رضي الله عنه.
[*] • وقال ابن رجب: لم يترك فنا من الفنون إلا وله فيه مصنف، وله عجائب في حفظه لوقته, ومن ذلك أنه شكى من زيارة البطالين له وإضاعتهم لوقته, ثم قال: «فلما رأيت أن الزمان أشرف شيء، والواجب انتهابه بفعل الخير، كرهت ذلك وبقيت معهم بين أمرين: إن أنكرت عليهم وقعت وحشة لموضع قطع المألوف، وإن تقبلته منهم ضاع الزمان، فصرت أدافع اللقاء جهدي، فإذا غلبت قصرت في الكلام لأتعجل الفراق، ثم أعددت أعمالا لا تمنع من المحادثة لأوقات لقائهم، لئلا يمضي الزمان فارغا، فجعلت من الاستعداد للقائهم قطع الكاغد وبري الأقلام وحزم الدفاتر، فإن هذه الأشياء لا بد منها، ولا تحتاج إلى فكر وحضور قلب، فأرصدتها لأوقات زيارتهم، لئلا يضيع شيء من وقتي» (?).
[*] • وقال الإمام ابن الجوزي رحمه الله تعالى في كتابه صيد الخاطر: