الجواب: لا يمكن أن يجتمع له هذا إلا إذا كان بجانب علو الهمة عنده محافظة على الوقت، ومحافظة على رأس المال الذي هو الوقت. يقول الموفق عبد اللطيف: إنه كان لا يضيع من زمانه شيئاً. ويقول ابن الجوزي وهو يحدث عن سياسته في عدم تضييع الوقت، وحماية الوقت ممن يعتدون عليه: لقد رأيت خلقاً كثيراً يجرون معي فيما قد اعتاده الناس من كثرة الزيارة، ويسمون ذلك التردد خدمة ـ أي أنه خدمة ومحبة لهذا العالم ـ ويطلبون الجلوس، وينزلون فيه أحاديث الناس وما لا يعنيهم، ويتخلله غيبة، وهذا شيء يفعله في زماننا كثير من الناس، وربما طلبه المزور وتشوق إليه واستوحش من الوحدة، وخصوصاً في أيام التهاني والأعياد، فتراهم يمشي بعضهم إلى بعض. فـ ابن الجوزي يحكي عن موضوع الزيارات في الأعياد، وينظر إلى أن هذه الزيارات تضييع للوقت، فالشخص له أن يهنئ إخوانه في العيد، أما كثرة الزيارة مع كثرة الإخوان والأحباب وكذا فلا تنبغي، ونحن الآن ضاعفنا أيام العيد، فعيد الفطر هو يوم واحد، وأما الآن فصار ثلاثة أيام، فمن أين صار عيد الفطر ثلاثة أيام؟! إنه لا بأس بأن يكون عيد الأضحى خمسة أيام: يوم عرفة ويوم الأضحى وأيام التشريق، لكن من أين أتينا لعيد الفطر بهذه الثلاثة أيام؟! وأين الدليل عليها؟! ليس إلا حب البطالة، وتضييع الوقت، والتهريج، والأجازات، فبين كل عيد وعيد إجازة، والناس مع ذلك تتأذى، فلماذا تضييع الوقت؟! وكأن الوقت ليس له قيمة، وللأسف الشديد أن الشعب الياباني في وقت من الأوقات عمل تظاهرات ضد الحكومة لأنها أعطتهم أجازات زائدة، فبسبب أنهم أعطوا أجازات عملوا تظاهرات، فانظر إلى عباد الدنيا من هؤلاء الوثنين الذين يعبدون الدنيا كيف يتظاهرون لأجل إلغاء الأجازات؛ لأنهم يستمتعون بالعمل وبالكدح في طلب الدنيا، فكيف تكون غيرة طالب العلم على وقته ممن لا يقد ر هذا الوقت حق قدره؟! يقول ابن الجوزي رحمه الله تعالى: وخصوصاً في أيام التهاني والأعياد، فتراهم يمشي بعضهم إلى بعض، ولا يقتصرون على الهناء والسلام، بل يمزجون ذلك بما ذكرته من تضييع الزمان.