والحاصل أن الأكل من هذه الوضيمة والحالة ما ذكر حرام بلا خلاف. وفي مسند الفردوسي للديلمي من حديث أبن مسعود: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " من أكل لقمة من حرام - أي وهو عارف - لم تقبل له صلاة أربعين ليلة ". وفيه من حديث أبن عمر: " من لم يسأل من أين أكتسب المال، لم يسأل الله تعالى من أين أدخله النار ". وقال أبن عباس: لا يقبل الله صلاة امرئ في جوفه حرام. وقد أكل أبو بكر الصديق طعاماً، ثم ظهر فيه شبهة فقذفه وقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " لحم بنت من حرام النار أولى به ". وكذا ورد عن عمر. فما بالك بهذا الحرام المحقق قال تعالى: (الّذِيْنَ يَأْكُلُوْنَ أمْوَالَ اليَتَامى ظُلْما إنّما يَأْكُلُونَ في بُطُوْنِهِم نَاْراً وسَيَصْلوْنَ سَعِيْراً) السادسة:
بفتح النون، وهي الدعوة لقدوم المسافر.
مأخوذة من النَّقْع، وهو الغبار. قال الله تعالى: (فَأثَرْنَ بِهِ نَقْعَاً) .
وفي الاستقصاء لأبن درباس: ويقال لكل جزور نحرت للضيافة: نقيعة. انتهى.
وقال النووي: وقول الأصحاب النقيعة لقدوم المسافر مستحبة، ليس فيه بيان من يتخذها، أهو القادم أو المقدوم عليه. وفيه خلاف لأهل اللغة؛ فنقل الأزهري عن الفراء أنه القادم، وقال صاحب المحكم: هو طعام يصنع للقادم. وهو الأظهر، انتهى.
وأما ما رواه البيهقي من حديث عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إذا قدم أحدكم على أهله من سفر، فليهد لهم، وليطرفهم، ولو كان حجارة "؛ فهو حديث ضعيف، لكنه أصل لما يفعله بعض الحجاج، أن يستصحب معه من مكان يعرف بفرش الرز حجارة بيضاً. وأما ما يفعله بعضهم من استصحاب أكف من تراب الحرم أو أحجاره ونحو ذلك فهو حرام، وكما يحرم أخذ شيء من طيب الكعبة لا للتبرك ولا لغيره والله أعلم. قال الأذرعي: والصواب الأول. قال الحليمي في منهاجه: ويستحب للمسافر إذا رجع وأستقر في منزله أن يطعمه الناس، وعليه الصالحون من سلف هذه الأمة. ثم ذكره عن أبن عمر وجماعة من التابعين، ويشهد له ما في البخاري عن جابر " أنه صلى الله عليه وسلم لما قدم المدينة نحر جزوراً أو بقرة ". ثم قال البخاري: وكان أبن عمر يذبح لمن يغشاه.
السابعة:
بالعين المهملة والذال المعجمة. ويقال العذيرة كذا في الاستقصاء، والإعذار بكسرة الهمزة مصدر أعذره، وهي الدعوة للختان.
قال أبن الأثير: وفي الحديث: " الوليمة في الإعذار حق " ز الإعذار الختان، يقال: عذرته وأعذرته فهو معذور، ثم قيل للطعام الذي يطعم في الختان إعذار. ففي حديث سعد: " كنا أعذار عام واحد " أي ختنا في عام واحد. وكانوا يختنون لِسِنّ معلومة، فيما بين عشر سنين وخمس عشرة سنة انتهى.
قال شيخنا المحيوي النعيمي الشافعي: وهي مستحبة لما روينا في جزء أخبار الصبيان، وما يستدل به على رشد الغلام عن أبن عمر أنه كا يطعم على ختان الصبيان، وعن أبي حَسين بفتح الحاء أن وصياً أنفق على ختان صبي مائة دينار، فلما كبر خاصمه إلى شريح قال: فقضى شريح فقال: جزور وما يصلحها ويضمن سائر المال. وعن بشر بن الحارث قال أتى سفيان فقيل له: يا أبا عبد الله غلام يتيم نريد نختنه قال: أنحر عنه جزوراً. وعن أشعث بن عبد الرحمن بن زبيد قال: شهدت جدي زبيداً في ختاني ضحى بنعاج كثيرة فأنتهبه الغلمان فقال: لا تنتهبوا. وأعطاهم هو بيده وقال هذا خير. وعن هشام بن عروة قال: ما صنعت أمي يوم ختنت إلا عصيدة.
وعن الحسن أن عفان بن أبي العاصي دعي إلى وليمة فأجاب، فلما أتي بالطعام قيل: هذا في ختان جارية فأخذ ثوبه ونهض وقال: هذا طعام ما أكلته على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم. وأخرجه أحمد في مسنده. وفعل ذلك لكونه صنع لختن جارية، ولهذا قال أبن الحاج المالكي في المدخل: إن السُنة في الختان للذكور إظهاره، وفي ختان النساء إخفاؤه.