- بعد الإفصاح عن حقيقة حاله المعلومة عنده في قوله: (وَمَا أَنْتَ بِتَابِعٍ قِبْلَتَهُمْ) - كلام وارد على سبيل الفرض والتقدير، بمعنى: ولئن اتبعتهم مثلاً بعد وضوح البرهان والإحاطة بحقيقة الأمر؛ (إِنَّكَ إِذاً لَمِنْ الظَّالِمِينَ) المرتكبين الظلم الفاحش.

وفي ذلك لطف للسامعين، وزيادة تحذير واستفظاع لحال من يترك الدليل بعد إنارته ويتبع الهوى،

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

قوله: (الإفصاح عن حقيقة حاله المعلومة عنده)، يعني أنه تعالى أقسم على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس بتابع قبلتهم لما علم من حقيقة حاله ذلك.

قوله: (وفي ذلك لطف للسامعين)، والمشار إليه بقوله: "ذلك" مفهوم هذه الآية وما تضمنت من التعريض والتهييج، أما التعريض فهو: أما بالنسبة إلى المؤمنين فيكون لطفاً لهم؛ لأن من بلغت منزلته إلى أقصى نهايات الكمال إذا خوطب بذلك الخطاب الهائل فالمؤمنون أحرى بأن يحذروا من متابعة ما نهى عنه، وبالنسبة إلى الكافرين يكون استفظاعاً لحالهم؛ لأن المؤمنين مع جلالتهم إذا حذروا متابعة أهوائهم أشد التحذير فكيف بالكافر الذي ركب هواه وكان خليعاً فيه؟

الراغب: حذر الله سبحانه وتعالى نبيه صلى الله عليه وسلم من اتباع أهوائهم، وقد أكثر الله تحذيره من الجنوح إلى الهوى، وكرر ذلك في عدة مواضع، وقول من قال: الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم والمعني به الأمة فلا معنى له؛ لأن من قدر له المنزلة الرفيعة أحوج حفظاً لمنزلته وصيانة لمكانته من الغير، وقد قيل: إن حق المرآة المجلوة أن يكون تعهدها أكثر، إذ قليل من الصدأ عليها أظهر. وهو واقع على سبيل الكناية.

قال صاحب "المفتاح": التعريض تارة يكون على سبيل الكناية، وأخرى على سبيل المجاز، فإذا قلت: آذيتني فستعرف، وأردت المخاطب، ومع المخاطب إنساناً آخر، كان من

طور بواسطة نورين ميديا © 2015