ويجوز أن يكون بياناً للحكمة في جعل بيت المقدس قبلته يعني: أن أصل أمرك أن تستقبل الكعبة، وأن استقبالك بيت المقدس كان أمراً عارضاً لغرض، وإنما جعلنا القبلة الجهة التي كنت عليها قبل وقتك هذا وهي بيت المقدس لنمتحن الناس، وننظر من يتبع الرسول منهم ومن لا يتبعه وينفر عنه. وعن ابن عباس رضي الله عنه: كانت قبلته بمكة بيت المقدس إلا أنه كان يجعل الكعبة بينه وبينه. فإن قلت: كيف قال: (لِنَعْلَمَ) ولم يزل عالماً بذلك؟ قلت: معناه: لنعلمه علماً يتعلق به الجزاء؛ وهو أن يعلمه موجوداً حاصلاً، ونحوه: (وَلَمَّا يَعْلَمْ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ) [آل عمران: 142]. وقيل: ليعلم رسول الله والمؤمنون، وإنما أسند علمهم إلى ذاته؛ لأنهم خواصه وأهل الزلفى عنده. وقيل: معناه: لنميز التابع من الناكص، كما قال الله تعالى: (لِيَمِيزَ اللَّهُ الْخَبِيثَ مِنْ الطَّيِّبِ) [الأنفال: 37]،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بعثته وأدرك تلك السعادة، ثم رغب عنه مائلاً إلى ما قبله من الشرائع المنسوخة فقد انقلب على عقبيه.
قوله: (ويجوز أن يكون بياناً) أي: قوله: (وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ) إلى آخره، وهو عطف على قوله: " (وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ): الجهة التي كنت عليها"، وعلى الأول كان بياناً للحكمة في جعل الكعبة قبلة، تقريره: أنه صلى الله عليه وسلم كان مأموراً بأن يصلي إلى الكعبة ثم أمر بالتحويل إلى بيت المقدس، ثم أعيد إلى ما كان أولاً وهي الكعبة، فالمخبر به الجعل الناسخ، وهي الجهة التي كان عليها، يعني: ما رددناك إلى ما كنت عليه إلا لابتلاء الناس، وعلى الثاني: كان صلى الله عليه وسلم مأموراً بأن يصلي إلى بيت المقدس، ثم أمر بأن يتحول إلى الكعبة، فالمخبر به الجعل المنسوخ، يعني أنت الآن على ما ينبغي أن تكون عليه، وما كنت عليه قبل هذا كان أمراً عارضاً.
قوله: (لنعلمه علماً يتعلق به الجزاء)، وهو أن نعلمه موجوداً حاصلاً.