فوضع العلم موضع التمييز؛ لأن العلم به يقع التمييز. (وَإِنْ كَانَتْ لَكَبِيرَةً)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قال القاضي: هذا العلم وأشباهه باعتبار التعلق الحالي الذي هو مناط الجزاء، والمعنى: يتعلق علمنا به موجوداً. وتحقيقه ما ذكره الزجاج: أن الله عز وجل يعلم من يتبع الرسول ممن لا يتبع قبل وقوعه، وذلك العلم لا يوجب مجازاة في ثواب ولا عقاب، ولكن المعنى: ليعلم ذلك منهم شهادة، فيقع عليهم بذلك العلم اسم المطيعين واسم العاصين، فيتعين ثوابهم على قدر عملهم، وتكون معلومة في حال وقوع الفعل منهم شهادة، كقوله تعالى: (عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ) [التغابن: 18]، فعلمه به قبل وقوعه غيب، وعلمه به حال وقوعه شهادة، وهذا يبين كل ما في القرآن مثله.
وقال الإمام: المسلمون اتفقوا على أنه تعالى عالم بالجزئيات كلها قبل وقوعها، ثم قال أبو الحسين البصري من المعتزلة: العلم يتغير عند تغير المعلوم؛ لأن العلم بكون العالم غير موجود وأنه سيوجد لو بقي حال وجود العالم لكان جهلاً، وإلا لوجب التغير، وقال أهل السنة: لا يلزم التغير؛ لأن عند إيجاد العالم انقلب ذلك العلم علماً بأنه قد حدث ولم يلزم حدوث علم الله تعالى، ونظيره الإخبار بقوله: (لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ) [الفتح: 27]، فلما دخلوه انقلب ذلك الخبر إلى هذا من غير أن يتغير الخبر الأول.
قوله: (لأن العلم به يقع التمييز)، هذا موافق لقول من قال: العلم صفة توجب تمييزاً لا يحتمل النقيض، فهو من باب إطلاق السبب على المسبب.