(وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً) يزكيكم ويعلم بعدالتكم. فإن قلت: لم أخرت صلة الشهادة أولاً وقدمت آخراً؟ قلت: لأن الغرض في الأول إثبات شهادتهم على الأمم، وفي الآخر

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

"شهد له" فيما فيه منفعة، ولو أريد ما ذهبت إليه لقيل: ويكون الرسول لكم شهيداً، وأجاب: أن الشهيد هنا ضمن معنى الرقيب، فعدي تعديته بـ "على"، وإنما أوجب ذلك مقام المدح، وهو قوله: (جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً)، روينا عن البخاري والترمذي وابن ماجة، عن أبي سعيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يجيء نوح وأمته، فيقول الله: هل بلغت؟ فيقول: نعم أي رب، فيقول لأمته: هل بلغكم؟ فيقولون: لا، ما جاءنا من نذير، فيقول لنوح: من يشهد لك؟ فيقول: محمد وأمته، فيشهد أنه قد بلغ، وهو قوله: (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً) الآية".

قال صاحب "الانتصاف": من عليهم بثبوت كونهم شهداء على الناس أولاً، وثانياً: بثبوت كونهم مشهوداً لهم بالتزكية، خصوصاً من هذا الرسول المعظم، وقال أيضاً: وصف عيسى الرب عز وجل بالرقيب أولاً وبالشهيد ثانياً في قوله: (كُنتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ) [المائدة: 117] مع اتحاد معناهما، كما تقول: كنت محسناً إلينا وأنت محسن إلى كل واحد، خص ثم عم، فبذلك تم استدلال الزمخشري.

وقلت: التحقيق فيه ما قررناه أن شهد عليه إنما تستعمل فيما فيه مضرة المشهود عليه، وأوجب ها هنا مقام المدح الحكم بالعكس، وأن يضمن الشهيد معنى الرقيب والمهيمن ليفيد معنى التزكية؛ لأن المزكي لابد أن يكون مراقباً على أحوال المزكى، فإذا شاهد منه ما اقتضى الصلاح والرشد والهداية لا يشهد إلا بعدالته ولا يصدر منه إلا تزكيته، ففي الكلام تضمين ثم كناية، والله أعلم.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015