(وَنَحْنُ لَهُ مُخْلِصُونَ) فجاء بما هو سبب الكرامة، أي: نحن له موحدون نخلصه بالإيمان، فلا تستبعدوا أن يؤهل أهل إخلاصه لكرامته بالنبوة، وكانوا يقولون: نحن أحق بأن تكون النبوة فينا؛ لأنا أهل كتاب، والعرب عبدة أوثان. (أَمْ تَقُولُونَ) يحتمل فيمن قرأ بالتاء أن تكون "أم" معادلة للهمزة في (أَتُحَاجُّونَنَا) بمعنى: أي الأمرين تأتون؛ المحاجة في حكم الله، أم ادعاء اليهودية والنصرانية على الأنبياء؟ ! والمراد بالاستفهام عنهما إنكارهما معاً؛ وأن تكون منقطعة بمعنى: بل أتقولون، والهمزة للإنكار أيضاً، وفيمن قرأ بالياء لا تكون إلا منقطعة بمعنى: بل أتقولون، والهمزة للإنكار أيضاً، وفيمن قرأ بالياء لا تكون إلا منقطعة. (قُلْ أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمْ اللَّهُ): يعني: أن الله شهد لهم بملة الإسلام في قوله: (مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيّاً وَلا نَصْرَانِيّاً وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفاً مُسْلِماً) [آل عمران: 67]
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (فيمن قرأ بالتاء) أي الفوقاني: ابن عامر وحفص وحمزة والكسائي، والباقون: بالياء.
قوله: (لا تكون إلا منقطعة)، وذلك أن المتصلة تقتضي المساواة بين ما يلي الهمزة وأم، والمنقطعة لا تقتضيها، وها هنا أن أهل الكتاب لما خوطبوا بقوله: (أَتُحَاجُّونَنَا فِي اللَّهِ) ثم جعلوا غائبين بقوله: (أَمْ يَقُولُونَ) انتفت المساواة؛ لأن المخاطبين حينئذ غيرهم، لأنه تعالى- بسبب تلك المجادلة الفظيعة، وهي قولهم: "نحن أحق بالنبوة من محمد صلوات الله عليه"- انتقل من خطابهم إلى النعي عليهم بخطاب غيرهم كالمخبر لهم ويستدعي منهم الإنكار عليهم، كقوله تعالى: (حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ) [يونس: 22]، ولا يحسن في المتصلة أن يختلف الخطاب من مخاطب إلى غيره كما يحسن في المنقطعة.