قرأ زيد بن ثابت: (أتحاجونا) بإدغام النون، والمعنى: أتجادلوننا في شان الله واصطفائه النبي من العرب دونكم، وتقولون: لو أنزل الله على واحد لأنزل علينا وترونكم أحق بالنبوة منا، (وَهُوَ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ) نشترك جميعاً في أننا عباده، وهو ربنا، وهو يصيب برحمته وكرامته من يشاء من عباده، هم فوضى في ذلك لا يختص به عجمي دون عربي إذا كان أهلاً للكرامة. (وَلَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ) يعني أن العمل هو أساس الأمر، وبه العبرة، وكما أن لكم أعمالاً يعتبرها الله في إعطاء الكرامة ومنعها فنحن كذلك، ثم قال:
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (والمعنى: أتجادلوننا في شأن الله واصطفائه النبي من العرب؟ )، فإن قلت: كيف قيد المطلق، وهو (فِي اللَّهِ) بقيد النبوة وليست ثم قرينة التقييد؟ قلت: القرينة قوله: (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَتَمَ شَهَادَةً عِنْدَهُ مِنْ اللَّهِ) والكلام تعريض باليهود وأنهم كتموا ما في التوراة من دلائل النبوة وما عهد إليهم أن يظهروها ولا يكتموها، وهم ما اكتفوا بالكتمان، بل حاولوا المجادلة في كونهم أحق بالنبوة من رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فإن قلت: فأين قرينة تخصيص أنهم أحق بها منه؟ قلت: قوله: (رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ) الآية؛ لأن هذا إنما يستقيم جواباً إذا كانوا قد ادعوا النبوة بالأحقية، وتقرير الجواب: نحن وأنتم مستوون في كوننا عبيد الله وفي أن لكم أعمالاً ولنا أعمالاً، ولنا مزية عليكم بالإخلاص من حيث التوحيد الصرف والأعمال الخالصة، وإليه الإشارة بقوله: "فجاء بما هو سبب الكرامة".
قوله: (هم فوضى في ذلك)، الأساس: ما لهم فوضى بينهم: مختلط، من أراد منهم شيئاً أخذ، وبنو فلان فوضى: مختلطون لا أمير عليهم، قال:
لا يصلح الناس فوضى لا سراة لهم ... ولا سراة إذا جهالهم سادوا