(وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَتَمَ شَهَادَةً عِنْدَهُ مِنْ اللَّهِ) أي: كتم شهادة الله التي عنده أنه شهد بها وهي شهادته لإبراهيم بالحنيفية. ويحتمل معنيين أحدهما: أن أهل الكتاب لا أحد أظلم منهم؛ لأنهم كتموا هذه الشهادة وهم عالمون بها. والثاني: أنا لو كتمنا هذه الشهادة لم يكن أحد أظلم منا فلا نكتمها. وفيه تعريض بكتمانهم شهادة الله لمحمد بالنبوة في كتبهم وسائر شهاداته. و (مِنَ) في قوله: (شَهَادَةً عِنْدَهُ مِنْ اللَّهِ) مثلها في قولك: هذه شهادة مني لفلان؛ إذا شهدت له، ومثله (بَرَاءَةٌ مِنْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ) [التوبة: 1]
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (ويحتمل معنيين)، أي: قوله: (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَتَمَ شَهَادَةً).
أحدهما: أن يراد بـ "من كتم": أهل الكتاب وأنهم لما كانوا ظالمين ثابتين عليه، صدرت الجملة بـ "إن" المؤكدة وأتي بالخبر مقروناً بـ "لا" الاستقرائية، فقيل: إن أهل الكتاب لا أحد أظلم منهم.
وثانيهما: أن يراد به المسلمون، فمعناه: إنا لو كتمنا هذه الشهادة لم يكن أحد أظلم منا، فإنهم حين برئت ساحتهم عن نزول الظلم فيها جيء بـ "لو" المفيدة للشك، يعني: لو فرضنا الظلم كما تفرض المحالات، كان كَيْتَ وكَيْت، واعتبار النفي في المثالين مستفاد من الاستفهام المولد للتعجب، وذلك أن قوله: (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَتَمَ شَهَادَةً) الآية، كالتذييل للكلام السابق، فإذا أريد بها شهادة أهل الكتاب كان تأكيداً لمضمون قوله: (أَتُحَاجُّونَنَا فِي اللَّهِ وَهُوَ رَبُّنَا) إلى آخره؛ وأنه في معنى كتمان الشهادة، وإن عنى بها شهادة المسلمين كان تقريراً لما اشتمل عليه (آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ) إلى قوله: (وَنَحْنُ لَهُ عَابِدُونَ) لأنه في معنى إظهار الشهادة منهم.
قوله: (وفيه تعريض) أي: في المعنى الثاني دون الأول لأنه تصريح.
قوله: (بَرَاءَةٌ مِنْ اللَّهِ)، قال المصنف: "ومن: لابتداء الغاية متعلق بمحذوف وليس