. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

طريقه ينبغي أن يكون مقرراً في نفسه مذكوراً بعد ذكر طرقه المنفية حتى يصح، فلو أريد الإنكار على طريق قولهم، لوجب أن يذكر بعد إنكار طريق المشاهدة، وأن يقال: أم كنتم شهداء إذ حضر يعقوب الموت إذ قال لبنيه ما تتبعون من بعدي من الملل؟ قالوا: نتبع ملتك وملة آبائك وهي اليهودية، وحين ذكر ما يخالفه من قوله: (نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَقَ) إلى قوله: (وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ) لا يصح الإنكار عليهم على ما مر؛ لأنه لو تقرر عندهم هذه المقاولة لظهر لهم حرصه على التوحيد، ولما ادعوا عليه اليهودية.

والحاصل: أن الإضراب عن الكلام السابق وإنكار اللاحق يأبى أن يكون الخطاب مع اليهود، ولهذا قال: "فالآية منافية لقولهم"، فكيف يقال لهم: (أَمْ كُنتُمْ شُهَدَاءَ)؟ ألا ترى أنه حين جعل "أم" متصلة ولم يكن لها تعلق بالآية السابقة، قال: "ولكن الوجه أن تكون أم متصلة إلى آخره"، ويفهم من تقرير كلامه: أن "أم" إذا كانت منقطعة، والهمزة فيها للتقرير على سبيل التقريع، جاز أن يكون الخطاب مع اليهود، وذلك أنهم لما قالوا: ما مات نبي إلا على اليهودية، قيل لهم: أتقولون هذا القول مع أنكم كنتم شهداء إذ حضر يعقوب الموت، أي: أوائلكم كانوا شاهدين له إذ أراد بنيه على التوحيد وملة الإسلام، والنظم لا يأباه، وذلك أن قصة إبراهيم عليه السلام بجملتها كما ذكرنا معطوفة على قصة بني إسرائيل، والجامع: الامتنان عليهم بالنعمة التي أنعم الله على آبائهم، وكان من حق الظاهر أن يذكر قوله: (إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ) بعد قوله: (وَإِذْ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ) كما قال: "والإسلام قبل ذلك" في قوله: (إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ)، وإنما أخره ليكون ذريعة إلى هذا التقرير وتخلصاً إلى هذا التفريع، وذلك أنه تعالى لما قال له: (أَسْلِمْ)، وامتثل أمره وقال: (أَسْلَمْتُ)، ووصى بالإسلام بنيه، وأراد أن يوبخ اليهود على ما قالوه، قال: (أَمْ كُنتُمْ شُهَدَاءَ)، أي: دعوا إخبارنا عن وصية إبراهيم بنيه بالتوحيد والإسلام، ألستم حضرتم

طور بواسطة نورين ميديا © 2015