و (مَا) عام في كل شيء، فإذا علم فرق بـ "ما" و"من"، وكفاك دليلاً قول العلماء: "من" لما يعقل. ولو قيل: من تعبدون؟ لم يعم إلا أولي العلم وحدهم، ويجوز أن يقال: (مَا تَعْبُدُونَ) سؤال عن صفة المعبود كما تقول: ما زيد؟ تريد أفقية أم طبيب أم غير ذلك من الصفات. و (إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَقَ) عطف بيان لـ (آبَائِكَ)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
يعقوب حين وصى بنيه بما وصاه جده إبراهيم من التوحيد والإسلام؟ فلم تقولون مع ذلك: ما مات نبي إلا على اليهودية؟
ولا مانع على هذا التقرير أن نجعل الهمزة المقدرة في (أَمْ) للإنكار كما في "المعالم": فإنهم لما قالوا: ألست تعلم أن يعقوب وصى بنيه باليهودية، وكان ذلك كذباً وميناً، وإخباراً بما يخالف اعتقادهم، نزلوا منزلة أنهم ما كانوا شهداء، وقيل لهم: كأنكم ما شهدتم حين وصى بنيه بالتوحيد والإسلام وما اعتقدتم ذلك، ولذلك قلتم ما قلتم. والله أعلم.
قوله: (مَا): عام في كل شيء)، أي: يسأل بها عن كل مبهم، فإذا عرف أنه عاقل خص بمن أو غير عاقل خص بما، فهي مشترك في العموم وفي غير العقلاء، فلا يتعين أحد مفهوميها إلا بانتصاب قرينة مبينة.
قوله: (ولو قيل: من تعبدون؟ لم يعم إلا أولي العلم وحدهم)، الراغب: لم يعن بقوله: (مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي) العبادة المشروعة فقط، وإنما عنى جميع الأعمال، وكأنه دعاهم أن لا يتحروا في أعمالهم غير وجه الله عز وجل، ولم يخف عليهم الاشتغال بعبادة الأصنام، وإنما خاف أن تشغلهم دنياهم، ولهذا قيل: ما قطعك عن الله فهو طاغوت، وهذا المعنى تحراه الشاعر بالعبادة في قوله: