فإن قلت: فأي نكتة في إدخال حرف النهي على الصلاة، وليس بمنهي عنها؟ قلت: النكتة فيه: إظهار أن الصلاة التي لا خشوع فيها كلا صلاة، فكأنه قال: أنهاك عنها إذا لم تصلها على هذه الحالة، ألا ترى إلى قوله صلى الله عليه وسلم: "لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد"؟ فإنه كالتصريح بقولك لجار المسجد: لا تصل إلا في المسجد، وكذلك المعنى في الآية إظهار أن موتهم لا على حال الثبات على الإسلام موت لا خير فيه، وأنه ليس بموت السعداء، وأن من حق هذا الموت أن لا يحل فيهم

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

قوله: (فإن قلت: وأي نكتة في إدخال حرف النهي؟ ) حاصل السؤال: إذا كان المنهي عنه الحالة التي هي على غير الخشوع في الصلاة، والحالة التي يدركهم الموت عليها وهم على غير الإسلام، فلم نهى عن الصلاة وعن الموت، وما الفائدة فيه؟

وخلاصة الجواب: أن الصلاة أو الموت إذا قصد بالنهي عنهما نهي حالة يقعان فيها إرادة للفضيلة والخيرية، كان أبلغ مما إذا قصدت نفي الفضيلة والخيرية ابتداء.

فإن قلت: هذا يناقض ما سبق في تفسير قوله تعالى: (كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنتُمْ أَمْوَاتاً) [البقرة: 28] أن إنكار الحال ليتبعها إنكار الذات أبلغ من العكس.

قلت: الأبلغية وعدمها باعتبار العدول عن مقتضى الظاهر، فإن المقتضى هنالك إنكار ذات الكفر، فعدل إلى إنكار الحال، فيلزم منه إنكار الذات على طريق الكناية. وها هنا المقتضي نفي الفضيلة، فعدل إلى نفي الذات ليلزم منه نفي الفضيلة على سبيل الكناية. والحاصل أن في العدول عن الظاهر مبالغة ليست في ارتكاب الظاهر، ولهذا قال صاحب "المفتاح": ولأمر ما تجد أرباب البلاغة وفرسان الطراد يستكثرون من هذا الفن، وإنه في علم البيان يسمى بالكناية. فقوله أيضاً: "أن لا يحل فيهم" كناية إيمائية على نحو قوله:

طور بواسطة نورين ميديا © 2015