وتقول في الأمر أيضاً: مت وأنت شهيد، وليس مرادك الأمر بالموت، ولكن بالكون على صفة الشهداء إذا مات، وإنما أمرته بالموت اعتداداً منك بميتته، وإظهاراً لفضلها على غيرها وأنها حقيقة بأن يحث عليها.
[(أَمْ كُنتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَقَ إِلَهاً وَاحِداً وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ) 133].
(أَمْ كُنتُمْ شُهَدَاءَ) "أم" هي المنقطعة، ومعنى الهمزة فيها: الإنكار. والشهداء: جمع شهيد، بمعنى الحاضر، أي: ما كنتم حاضرين يعقوب عليه السلام إذ حضره الموت، أي: حين احتضر، والخطاب للمؤمنين بمعنى: ما شاهدتم ذلك
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فما جازه جود ولا حل دونه
قوله: (وأنها حقيقة بأن يحث عليها)، هذا غاية المبالغة، فأكرم بفضيلة يرام لإدراكها الموت، وحسب المنايا أن يكن أمانيا.
قوله: ("أم" هي المنقطعة، ومعنى الهمزة فيها: الإنكار). قالوا: هذه "أم" الكائنة بمعنى بل والهمزة، كأنه قيل: بل أكنتم شهداء، أذنت بالإضراب عما قبلها وبالإضراب عما بعدها، أي: ما كنتم شهداء، والإضراب: الإعراض عن الشيء بعد الإقبال عليه. وقالوا: وهي "أم" المنقطعة الواقعة في الخبر، فإنه تعالى لما أخبر أولاً أن إبراهيم ويعقوب وصياً بنيهما بالإسلام، ثم أعرض عن هذا الخبر، وأقبل على الاستفهام تنبيهاً على أن الاستفهام على سبيل الإنكار ها هنا أهم، فقال: (أَمْ كُنتُمْ شُهَدَاءَ)، يعني ما كنتم حاضرين بل حصل لكم العلم بهذا المعنى