(اصْطَفَى لَكُمْ الدِّينَ): أعطاكم الدين الذي هو صفوة الأديان، وهو دين الإسلام، ووفقكم للأخذ به.
(فَلا تَمُوتُنَّ) معناه: فلا يكن موتكم إلا على حال كونكم ثابتين على الإسلام؛ فالنهي في الحقيقة عن كونهم على خلاف حال الإسلام إذا ماتوا كقولك: لا تصل إلا وأنت خاشع، فلا تنهاه عن الصلاة ولكن عن ترك الخشوع في حال صلاته
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (فَلا تَمُوتُنَّ) معناه: فلا يكن موتكم)، أي: (لَا تَمُوتُنَّ) لا يستقيم إجراؤه على ظاهره؛ لأنهم نهوا عن الموت، وذلك ليس بمقدورهم، وإنما ينهى المكلف عما له تركه، لكن معناه: فلا يكن موتكم إلا على حال كونكم ثابتين على الإسلام، وهذا أيضاً لا يستقيم على ظاهره؛ لأن المنهي الموت، والموت مما لا ينهى، فرجع حاصله إلى أن ينهى الإنسان عن أن يوجد على حالة يدركه الموت وهو على غير الإسلام، وهذا معنى قوله: "فالنهي في الحقيقة عن كونهم على خلاف حال الإسلام إذا ماتوا".
قال الزجاج: هذا على سعة الكلام نحو قولهم: لا أرينك ها هنا، فلفظ النهي للمتكلم، وهو في الحقيقة للمخاطب، أي: لا تكونن ها هنا، فإن كنت هاهنا رأيتك، المعنى: الزموا الإسلام، فإذا أدرككم الموت صادفكم مسلمين.
وقلت: الآية مثل المثال، وفيه ترق بلازم آخر لقوله: "فلا تموتن: معناه: فلا يكن موتكم".
قوله: (كقولك: لا تصل إلا وأنت خاشع) نهى عن فعل الصلاة، ومطلق الصلاة لا ينهى عنها، لكن معناه: لا تكن صلاتك إلا على الخشوع، فيرجع معناه إلى أن يكون المنهي الإنسان عن حالة هي غير حالة الخشوع، فيكون في الآية كناية تلويحية.