وذلك: أنه إذا رغب عما لا يرغب عنه عاقل قط فقد بالغ في إذالة نفسه وتعجيزها؛ حيث خالف بها كل نفس عاقلة. (وَلَقَدْ اصْطَفَيْنَاهُ) بيان لخطأ رأي من رغب عن ملته؛ لأن من جمع الكرامة عند الله في الدارين؛ بأن كان صفوته وخيرته في الدنيا، وكان مشهوداً له بالاستقامة على الخير في الآخرة؛

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

قوله: (وذلك أنه إذا رغب): تعليل لقوله: "والوجه هو الأول"؛ لأن المقصود من الآية أن من له رأي سديد، وعقل هاد، ورأى الناس مجتمعين على أمر خطير وخطب جليل، وهو مع ذلك يخالف الناس فيه ويكابر عقله في اتباع ذلك الأمر الخطير فلا يكون ذلك إلا من تجهيله عقله الهادي، وغمص الناس وتحقيرهم، وهذا المعنى لا ينطبق على الوجهين الأخيرين ولا على قول صاحب "الفرائد" إلا مع التعسف.

قوله: (وَلَقَدْ اصْطَفَيْنَاهُ): بيان لخطأ رأي من يرغب عن ملته)، وهو حال مقررة لجهة الإشكال، والمعنى: أيرغب عن ملته ومعه ما يوجب الترغيب فيها، وأنه جمع خير الدارين وفاز بالمنقبتين؟

قوله: (وخيرته)، في "المغرب": الخيرة: الاختيار في قوله تعالى: (مَا كَانَ لَهُمْ الْخِيَرَةُ) [القصص: 68]، وفي قولهم: محمد خيرة الله، بمعنى المختار، وسكون الياء لغة فيهما.

قوله: (وكان مشهوداً له بالاستقامة)، أي: أثبتت له إثباتاً ببينة وطريق برهاني، وذلك بأن جمع الصلاح المفسر باستقامة الشيء، وحكم أنه عليه السلام من زمرة من اتصف بصفته وأنه داخل في أعدادهم، فإذا ثبتت له صفة الاستقامة على الكناية، وإنما فسر الصلاح بالاستقامة لأنه مقابل للفساد الذي هو خروج الشيء عن حال استقامته، وبأن جعلت الجملة اسمية مؤكدة بـ (إن) واللام.

فإن قلت: لم خصت الكرامة الدنيوية بالاصطفاء والأخروية بالصلاح؟

طور بواسطة نورين ميديا © 2015