لم يكن أحد أولى بالرغبة في طريقته منه. (إِذْ قَالَ) ظرف لـ (اصْطَفَيْنَاهُ)، أي: اخترناه في ذلك الوقت، أو انتصب بإضمار "اذكر" استشهاداً على ما ذكر من حاله، كأنه قيل: اذكر ذلك الوقت؛ لتعلم أنه المصطفى الصالح الذي لا يرغب عن ملة مثله، ومعنى (قَالَ لَهُ .... أَسْلِمْ): أخطر بباله النظر في الدلائل المؤدية إلى المعرفة والإسلام، فقال: أسلمت، أي: فنظر وعرف. وقيل: (أَسْلِمْ) أي: أذعن وأطع، وروي أن عبد الله بن سلام دعا ابني أخيه سلمة ومهاجراً إلى الإسلام فقال لهما: قد علمنا أن الله تعالى قال في التوراة: إني باعث من ولد إسماعيل نبياً اسمه أحمد، فمن آمن به فقد اهتدى
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قلت: أما الاصطفاء بالنبوة فهو أقصى شرف الإنسان ومنتهى درجات العباد في الدنيا، وأما الصلاح في الآخرة فكذلك؛ لأن الصلاح كما قال هو: "الاستقامة على الخير"، ولا ارتياب أن الأحوال العاجلة وإن وصفت بالصلاح في بعض الأوقات لكن لا تخلو من شائبة فساد وخلل، ولا يصفو ذلك إلا في الآخرة، خصوصاً لزمرة الأنبياء؛ لأن الاستقامة لا تكون إلا لمن فاز بالقدح المعلى ونال المقام الأسنى، وهم الأنبياء، ومن ثم كانت هذه المرتبة مطلوب للأنبياء والمرسلين، قال عليه السلام: (وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ) [الشعراء: 83] وغيرها من الآيات.
قوله: (أو انتصب بإضمار "اذكر" استشهاداً على ما ذكر)، يعني: تكون جملة مقطوعة مستأنفة مشتملة على بيان الموجب لكونه مصطفى.
قوله: (ومعنى: (قَالَ لَهُ ... أَسْلِمْ): أخطر بباله النظر) يريد أن "أسلم" أمر جار على المجاز على نحو قوله تعالى: (كُنْ فَيَكُونُ) [البقرة: 117]، إذ ليس ثمة أمر ولا جوابه، فإن هذه الواقعة في بدء حاله فلا يكون إلا الإلهام، وفي كلام المصنف إشعار به وهو قوله: "والإسلام قبل ذلك"، هذا إذا أريد بالإسلام الإيمان والتصديق، وأما إذا أريد به الإذعان والطاعة فالأمر على الحقيقة، وإليه الإشارة بقوله: "وقيل: أسلم، أي: أذعن".