{مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} أي: الطاعة من الشرك والرياء، قائلين: {الحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ العَالَمِينَ}. وعن ابن عباس رضي الله عنه: من قال: لا إله إلا الله، فليقل على أثرها: الحمد لله رب العالمين.
[{قُلْ إنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ لَمَّا جَاءَنِيَ البَيِّنَاتُ مِن رَّبِّي وأُمِرْتُ أَنْ أُسْلِمَ لِرَبِّ العَالَمِينَ} 66]
فإن قلت: أما نهي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن عبادة الأوثان بأدلة العقل حتى جاءته البينات من ربه؟ قلت: بلى، ولكن البينات لما كانت مقوية لأدلة العقل ومؤكدة لها
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الأوصاف السابقة، وهي تقتضي غاية الخضوع والتذلل وليست إلا العبادة، وعدل منها إلى الدعاء؛ لأنها محض الافتقار وفيها نهاية الانكسار، ولما كان المطلوب غاية الخضوع والإخلاص جيء بمفعول {مُخْلِصِين}، وقد الصلة على المفعول به؛ ليؤذن بأن الإخلاص في العبادة مطلوب لذاته. والإخلاص في الإخلاص هو أن يخلص الإخلاص؛ لتكون له الطاعة لا لشيء آخر.
قوله: (من قال: لا إله إلا الله، فليقل في أثرها: الحمد لله)، وذلك أن قوله: {فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} أمر بالإخلاص عقب بالتحميد ورتب على التهليل، يعني: إذا تكلمت بكلمة التوحيد فاعمل بالإخلاص، فإنه من مقتضاه، ثم احمد الله على التوفيق، كما قال: "قل آمنت بالله ثم استقم".
قوله: (بلى، ولكن البينات لما كانت مقوية) إلى آخره، الانتصاف: معرفة الله ووحدانيته معلومتان بالعقل، ترد الأدلة العقلية في مضمون السمعية، أما وجوب عبادة الله وتحريم عبادة الأصنام فحكم شرعي، فقوله: {قُلْ إِنِّي نُهِيتُ} أي: حرم علي، وهذا إنما يتحقق بعد البعثة خلافًا للمعتزلة في الإيجاب قبل الشرع للتحسين والتقبيح. ثم قوله: " إنما تقوي أدلة