[{قُلْ إنَّمَا أَنَا مُنذِرٌ ومَا مِنْ إلَهٍ إلاَّ اللَّهُ الوَاحِدُ القَهَّارُ * رَبُّ السَّمَوَاتِ والأَرْضِ ومَا بَيْنَهُمَا العَزِيزُ الغَفَّارُ} 65 - 66]
{قُلْ} يا محمد لمشركي مكة: ما {أَنَا} إلا رسول {مُنذِرٌ}: أنذركم عذاب الله للمشركين، وأقول لكم: إن دين الحق توحيد الله، وأن يعتقد أن لا إله إلا الله {الوَاحِدُ} بلا ند ولا شريك {القَهَّارُ} لكل شيء، وأن الملك والربوبية له في العالم كله، وهو {العَزِيزُ} الذي لا يغلب إذا عاقب العصاة، وهو مع ذلك {الغَفَّارُ} لذنوب من
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: ({قُلْ} يا محمد لمشركي مكة: {أَنَا} إلا رسول {مُنذِرٌ})، يعني: هذه الآية متعلقة بأول السورة، فإنه تعالى لما أقسم بقوله: ص، إن القرآن حق، وإن محمدًا صلوات الله عليه لصادق، ثم أنكر على مشركي مكة عزتهم وشقاقهم وقولهم: {هَذَا سَاحِرٌ كَذَّابٌ} [ص: 4]، وتعجبهم من كونه منذرًا وأن الإله واحد، وعد قبائحهم وعنادهم وحسدهم، ثم استهزأ بهم بقوله: {فَلْيَرْتَقُوا فِي الْأَسْبَابِ} ثم خسأهم وأنهم جند ما هنالك مهزوم من جنس الأحزاب الخالية الذين كذبوا رسلهم فأهلكهم الله، وفصل ذكر الأنبياء مسليًا لحبيبه صلوات الله عليه ومستصبرًا له، كل ذلك تمهيدًا للأمر بالإنذار والبشارة والدعوة إلى التوحيد وعبادة الله وتوطئة له، فقال: {قُلْ إنَّمَا أَنَا مُنذِرٌ} ويدل عليه قوله: {قُلْ هُوَ نَبَأٌ عَظِيمٌ * أَنتُمْ عَنْهُ مُعْرِضُونَ} وإنما قرن مع"المنذر" الرسول في الوجه الأول دون الثاني؛ لأن المنذر إذن كناية عن كونه رسولًا، فلا يكون رسولًا إلا أن يكون منذرًا ومبشرًا، ولهذا عطف قوله: "وأقول لكم: إن دين الحق توحيد الله" على"أنذركم"، وفسره بقوله: "وأن يعتقد أن لا إله إلا الله" إلى قوله: "وهو مع ذلك الغفار لذنوب من التجأ إليه"، وعلى الوجه الثاني: "المنذر" مجرى على حقيقته. وقوله: "ما أعلم" إشارة إلى إطلاق لفظ {مُنذِرٌ} وإبهامه لتفخيم أمر ما ينذر به، وقوله: "أنا أنذر عقوبة من هذه صفته" عطف تفسيري وتقييد للمطلق، والحاصل أن قوله: {ومَا مِنْ إلَهٍ إلاَّ اللَّهُ} في التنزيل على الوجهين عطف على مضمر يقدر بحسب تفسير قوله: {مُنذِرٌ} وينصر الوجه الأول قوله: {قُلْ هُوَ نَبَأٌ عَظِيمٌ * أَنتُمْ عَنْهُ مُعْرِضُونَ} وإليه الإشارة بقوله: "من كوني رسولًا منذرًا وأن الله واحد".