وإن كان عملًا لا يتأتى فيه المباشرة بالأيدي، أو كان العمال جذمًا لا أيدي لهم وعلى ذلك ورد قوله عز وعلا: {أُوْلِي الأَيْدِي والأَبْصَارِ} يريد: أولي الأعمال والفكر، كأن الذين لا يعملون أعمال الآخرة، ولا يجاهدون في الله، ولا يفكرون أفكار ذوي الديانات، ولا يستبصرون؛ في حكم الزمنى الذين لا يقدرون على إعمال جوارحهم والمسلوبي العقول الذين لا استبصار بهم. وفيه تعريض بكل من لم يكن من عمال الله، ولا من المستبصرين في دين الله، وتوبيخ على تركهم المجاهدة والتأمل مع كونهم متمكنين منهما. وقرئ: (أولي الأيادي) على جمع الجمع. وفي قراءة ابن مسعود: (أولي الأيد) على طرح الياء والاكتفاء بالكسرة. وتفسيره بالأيد- من التأييد- قلق
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (وتفسيره بالأيد- من التأييد- قلق)، يريد قول الزجاج: ومن قرأ: "أولي الأيد" بغير ياء، فمعناه: من التأييد والتقوية على الشيء، وإنما كان قلقًا؛ لأنه لا يلائم الأبصار. قال: الأبصار: جمع البصر، وهي الجارحة، والمراد ها هنا البصيرة، فإذا لم يجعل {الْأَيْدِي} جمع اليد المراد بها العمل لم يتطابقا لفظًا ولا معنى، ولأن التأييد من أفعال الله تعالى وهو لفظه وتوفيقه.
وقال ابن جني: وهي قراءة الحسن والثقفي والأعمش، ويحتمل أن يراد بها {الْأَيْدِي} على قراءة العامة، فحذف الياء تخفيفًا، كقوله تعالى: {يَوْمَ يَدْعُ الدَّاعِ} [القمر: 6]، فيراد القوة في إطاعة الله، والعمل بما يرضيه، لقراءته بالأبصار، أي: البصر بما يحظى عند الله، فـ {الْأَيْدِي} على هذا جمع اليد التي هي القوة، كقولك: له يد في الطاعة وقدم في المتابعة، فالمعنيان واحد، وهو: البصيرة والنهضة في طاعة الله تعالى. وقال الشماخ:
إذا ما راية رفعت لمجد .... تلقاها عرابة باليمين
فلما جعلوا اليد عبارة هن القوة، أغرق فيه وجعل اليمين عبارة عنها؛ لأنها أقوى من الشمال، ويحتمل أن يراد بها النعمة والتأييد، هذا خلاصة كلام ابن جني.