ولتذكير أولي الألباب؛ لأنهم إذا سمعوا بما أنعمنا به عليه لصبره، رغبهم في الصبر على البلاء وعاقبة الصابرين، وما يفعل الله بهم. {خُذْ} معطوف على {ارْكُضْ}. والضغث: الحزمة الصغيرة من حشيش أو ريحان أو غير ذلك. وعن ابن عباس: قبضة من الشجر، كان حلف في مرضه ليضربن امرأته مئةً إذا برأ، فحلل الله يمينه بأهون شيء عليه وعليها؛ لحسن خدمتها إياه ورضاه عنها، وهذه الرخصة باقية. وعن النبي صلى الله عليه وسلم: أنه أتي بمخدج، قد خبث بأمة، فقال: "خذوا عثكالًا فيه مئة شمراخ فاضربوه بها ضربة". ويجب أن يصيب المضروب كل واحد من المئة، إما أطرافها قائمةً، وإما أعراضها مبسوطةً مع وجود صورة الضرب. وكان السبب في يمينه أنها أبطأت عليه ذاهبةً في حاجة فخرج صدره. وقيل: باعت ذؤابتيها برغيفين وكانتا متعلق أيوب إذا قام. وقيل: قال لها الشيطان: اسجدي لي سجدةً فأرد عليكم مالكم وأولادكم، فهمت بذلك فأدركتها العصمة، فذكرت ذلك له، فحلف. وقيل: أوهمها الشيطان أن أيوب إذا شرب الخمر برأ، فعرضت له بذلك. وقيل: سألته أن يقرب للشيطان بعناق. {وَجَدْنَاهُ صّابِرًا}: علمناه صابرًا. فإن قلت: كيف وجده صابرًا وقد شكا إليه ما به واسترحمه؟ قلت: الشكوى إلى الله عز وعلا لا تسمى جزعًا، ولقد قال يعقوب عليه السلام: {إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ} [يوسف: 86]، وكذلك شكوى العليل إلى الطبيب؛ وذلك أن أصبر الناس على البلاء لا يخلو من تمني العافية

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

قوله: (بمخدج)، أي: ضعيف ناقص البدن.

النهاية: الخداج، النقصان، يقال: خدجت الناقة: إذا ألقت ولدها قبل أوانه وإن كان تام الخلق. "العثكال": العذق، وكل غصن من أغصانه شمراخ، وهو الذي عليه البسر.

قوله: (ويجب أن يصيب) إلى آخره، وقيل: الصواب لا يجب، بل إن أصابه ثقل الجميع بأن ينكس عليه الشمراخ كفى.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015