وما هو من الشعر في شيء، وأين هو عن الشعر، والشعر إنما هو كلام موزون مقفى،

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

أحوال المعاد، وكالتخلص إلى ذكر أحوال المكذبين من قوم الرسول الله صلى الله عليه وسلم، وتقريعهم وتوبيخهم، وهو قوله: {ولَوْ نَشَاءُ لَطَمَسْنَا عَلَى أَعْيُنِهِمْ} {ولَوْ نَشَاءُ لَمَسَخْنَاهُمْ عَلَى مَكَانَتِهِمْ} أي: لا تتعجبوا بما نختم على أفواههم في القيامة، ولو شئنا الآن لطمسنا على أعينهم، فلو أرادوا أن يمشوا مستبقين في الطريق المألوف لم يستطيعوا، ولو نشاء لمسخناهم مسخًا يجمدهم مكانهم لفعلنا، ومن تكاذبهم قولهم في القرآن وفي من أنزل عليه: إنه شاعر وهو شعر حتى رد عليهم بقوله: {وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ} إلى قوله: {لِيُنذِرَ مَن كَانَ حَيًا ويَحِقَّ القَوْلُ عَلَى الكَافِرِينَ}، وهذا المعنى يملح إلى ما أفتتح به السورة من قوله: {لِتُنذِرَ قَوْمًا مَّا أُنذِرَ آبَاؤُهُمْ فَهُمْ غَافِلُونَ * لَقَدْ حَقَّ القَوْلُ عَلَى أَكْثَرِهِمْ فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ}.

قوله: (والشعر إنما هو كلام موزون مقفى)، الراغب: الشعر معروف، والجمع أشعار، قال تعالى: {وَمِنْ أَصْوَافِهَا وَأَوْبَارِهَا وَأَشْعَارِهَا أَثَاثًا} [النحل: 80] وشعرت: أصبت الشعر، ومنه استعير، شعرت: كذا، أي: علمت علمًا في الدقة كإصابة الشعر. قيل: وسمي الشاعر شاعرًا لفطنته ودقة معرفته. فالشعر في الأصل: اسم للعلم الدقيق في قولهم: ليت شعري، وصار في التعارف اسمًا للموزون المقفى من الكلام والشاعر المختص بصناعته. وقوله تعالى حكاية عن الكفار: {بَلِ افْتَرَاهُ بَلْ هُوَ شَاعِرٌ} [الأنبياء: 5] كثير من المفسرين حملوه على أنهم رموه بكونه أتى بشعر منظوم مقفى حتى تأولوا عليه ما جاء في القرآن من كل لفظة تشبه الموزون من نحو قوله تعالى: {وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِ وَقُدُورٍ رَاسِيَاتٍ} [سبأ: 13].

وقال بعض المحصلين: لم يقصدوا هذا المقصد فيما رموه به، لأنه ظاهر من هذا الكلام أنه ليس على أساليب الشعر، ولا يخفى ذلك على الأغتام من العجم فضلًا عن بلغاء العرب، وإنما رموه بالكذب، فإن الشعر يعبر به عن الكذب، والشاعر: الكاذب، حتى سمى قوم الأدلة الكاذبة الشعرية، ولهذا قال في وصف عامة الشعراء: {وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015