كما قيل: (بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ)؟ قلت: ذكر الضياء وهو ضوء الشمس؛ لأن المنافع التي تتعلق به متكاثرة، ليس التصرف في المعاش وحده، والظلام ليس بتلك المنزلة، ومن ثمة قرن بالضياء (أَفَلا تَسْمَعُونَ)؛ لأنّ السمع يدرك ما لا يدركه البصر من ذكر منافعه ووصف فوائده، وقرن بالليل (أَفَلا تُبْصِرُونَ)؛ لأنّ غيرك يبصر من منفعة الظلام ما تبصره وأنت؛ من السكون ونحوه (وَمِنْ رَحْمَتِهِ): زاوج بين الليل والنهار, لأغراض ثلاثة: لتسكنوا في أحدهما وهو الليل، ولتبتغوا من فضل الله في الآخر وهو النهار, ولإرادة شكركم.
[(وَيَوْمَ يُنادِيهِمْ فَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ) 74]
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ومعنى قولِه: {أَفَلاَ تَسْمَعُونَ}: أفلا تسمعونَ سماعَ مَنْ يتدبّرُ المسموعَ ليستدرِكَ مِنهُ قصدَ القائل، ويحيطَ بأكثرِ ما جَعَلَ الله في النهارِ مِنَ المنافع، أمْ أنتمْ صُمٌّ عنْ سماعِ ما ينفعُكُم؟ وقولُه: {يَاتِيكُم بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ أَفَلاَ تُبْصِرُونَ} معناه: أفلا تستدرِكونَ مِنْ ذلكَ ما يجبُ استدراكُه؟ فإنّ عَقِيبَ السماعِ استدراكُ المرءِ المرادَ بالمسموعِ إذا كانَ هناكَ تدبُّرٌ لهُ وتفكُّرٌ فيه، ولمْ يجعلْهُ السامعُ دبرَ أُذُنِه، والله أعلم.
قولُه: (زاوَجَ بينَ الليلِ والنهار)، يُروى بالراءِ والحاءِ المهملة، و ((زاوجَ)) بالزاي والجيم.
الجوهري: المُراوَحةُ في العملَيْن: أنْ تعملَ هذا مرًة وهذا مرة، وتقول: راوَحَ بينَ رجلَيْه؛ إذا قامَ على إحداهُما مرًة وعلى الأخرى مرة.
النهاية: وفي الحديثِ أنهُ صلى الله عليه وسلم كانَ يُراوِحُ بينَ قدَمَيْه؛ لِطولِ القيام. أي: يعتمدُ على إحداهُما مرًة وعلى الأخرى مرة؛ ليُوصِلَ الراحةَ إلى كلٍّ منهما. ومنهُ حديثُ ابن مسعودٍ أنهُ أبصرَ رجلاً صافًّا قدمَيْه؛ فقال: لوْ راوَحَ كانَ أفْضَل.