وقد سلكت بهذه الآية طريقة اللف في تكرير التوبيخ؛ باتخاذ الشركاء: إيذانٌ بأن لا شيء أجلب لغضب الله من الإشراك به، كما لا شيء أدخل في مرضاته من توحيده. اللهم فكما أدخلتنا في أهل توحيدك، فأدخلنا في الناجين من وعيدك.

[(وَنَزَعْنا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً فَقُلْنا هاتُوا بُرْهانَكُمْ فَعَلِمُوا أَنَّ الْحَقَّ لِلَّهِ وَضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ) 75]

(وَنَزَعْنا): وأخرجنا, (مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدا) وهو نبيهم: لأن أنبياء الأمم شهداء عليهم، يشهدون بما كانوا عليه (فَقُلْنا) للأمة (هاتُوا بُرْهانَكُمْ) فيما كنتم عليه من الشرك ومخالفة الرسول (فَعَلِمُوا) حينئذٍ (أَنَّ الْحَقَّ لِلَّهِ) ولرسوله، لا لهم ولشياطينهم (وَضَلَّ عَنْهُمْ) وغاب عنهم غيبة الشيء الضائع (ما كانُوا يَفْتَرُونَ) من الكذب والباطل.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

قولُه: (في تكريرِ التوبيخِ باتخاذِ الشُّركاء)، يريد: كرّرَ هذه الآيةَ بعينِها قُبَيْلَ هذه لتوكيدِ المعنى المقصودِ وتقريرِه؛ ومِنْ ثَمّ جُعِلَ خاتمةً للآياتِ وتخلُّصًا إلى قصةِ قارون. وفي صحيفةِ سُليمانَ عليهِ السلام: وما أحسنُ الأشياءِ وما أقبحُ الأشياء؟ قالَ سليمان: أحسنُ الأشياءِ الإيمانُ بالله بعدَ الشِّركِ، وأقبحُ الأشياءِ الكُفرُ بعدَ التوحيد. قالَ القاضي: الأولُ لتقريرِ فسادِ رأيِهِم، والثاني لبيانِ أنهُ لمْ يكنْ عنْ سَنَد؛ وإنما كانَ محضَ تَشَهٍّ وهوًى.

قولُه: (فكما أَدْخَلْتَنا) الفاءُ جوابُ شرطٍ محذوفٍ متصلٍ بما قبلَه؛ أي: إذا كانَ الأمرُ كما ذكرتَ فأدخِلْنا. والفَهْمُ معترضٌ نحوَ قولِهِ تعالى: {سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} [آل عمران: 191].

قولُه: (وغابَ عنهمْ غَيْبةَ الشيءِ الضائع)، أيْ: {ضَلَّ} مستعارٌ لمعنى غاب؛ فلما كانتْ تلكَ الغَيْبةُ بحيثُ لا يمكِنُ إحضارُ ما غابَ وأنهُ كالشيءِ الضائع؛ قيل: ضَلّ.

الأساس: ومِنَ المجاز: ضلّ عنْ كذا: ضاع.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015