. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مقصودٌ بِنَفْسِه. ثُمّ الذي أَبْعَدُ مِنَ التكلُّفِ أنْ يُجعَلَ {أَفَلاَ تَسْمَعُونَ} تذييلاً للتوبيخِ الذي يعطيهِ قولُه: {أَرَءَيْتُمْ إِن جَعَلَ اللهُ عَلَيْكُمُ} إلى آخرهِ، وكذا في الثانيةِ- على ما في ((المعالم)): {أَفَلاَ تَسْمَعُونَ} سماعَ فهمٍ وقبول، {أفَلاَ تُبْصِرُونَ} ما أنتم عليهِ مِنَ الخطأ.
تَمّ كلامُه- ليجتمِعَ لهمُ الصّمَمُ والعمي مِنَ الإعراض عنْ سماعِ البراهين، والإغماضِ عنْ رؤيةِ الشواهد.
ولَمّا كانتِ استدامةُ الليلِ أشقّ مِنَ استدامةِ النهار؛ لأنّ النومَ الذي هوَ أجَلُّ الغرضِ فيهِ شبيهٌ بالموت، والابتغاءُ مِنْ فضلِ الله الذي هوَ بعضُ فوائدِ النهارِ شبيهٌ بالحياة، قيلَ في الأول: {أَفَلاَ تَسْمَعُونَ} أي: سماعَ فَهْم، وفي الثانية: {أفَلاَ تُبْصِرُونَ} ما أنتمْ عليهِ مِنَ الخطأ؛ ليُطابِقَ كلٌّ مِنَ التذييلَيْنِ الكلامَ السابقَ مِنَ التشديدِ والتوبيخ، كأنهُ قيل: أخبروني إنْ جعلَ الله عليكُم الليلَ سرمدًا إلى يومِ القيامة؛ مَنْ إلهٌ غيرُ الله يأتيكمْ بضياء؛ أفلا تسمعونَ مثلَ هذهِ الدلائلِ الباهرةِ والنصوصِ المتظاهرةِ لِتعرِفوا أنّ غيرَ الله لا يقدرُ على شيءٍ من ذلك؟ وأخبروني إنْ جعلَ الله عليكم النهارَ سرمدًا إلى يومِ القيامة؛ مَنْ إلهٌ غيرُ الله يأتيكمْ بليلٍ تسكنونَ فيه؟ أفلا تبصرونَ الشواهدَ المنصوبةَ الدالّةَ على القدرةِ الكاملةِ لتقِفُوا على أنّ غيرَ الله لا قدرةَ لهُ على ذلك؟ وفيهِ أنّ دَلالةِ النصِّ أوْلى وأقْدَمُ مِنَ العقل.
وقالَ الراغبُ في ((غُرّةِ التنزيل)): إنّ نسخَ اليلِ بالنّيِّرِ الأعظم أبلغُ في المنافعِ وأضمنُ للمصالحِ مِنْ نسخِ النهارِ بالليل؛ ألا ترى أنّ الجنةَ نهارُها دائمٌ لا ليلَ معه؟ لأنّ اللَيلَ في دارِ التكليفِ للاستراحةِ والاستعانةِ بالجَمام والراحةِ على ما يلزَمُ مِنَ الكُلَفِ المتعِبةِ والمشاقِّ المُنْصِبة، ودارُ يُستَغنى فيها عنْ ذلك؛ لأنها مقصورةٌ على سبيلِ المشتهى وعلى ما تَلَذُّ الأعينُ وتهوى الأنفُس؛ فتقديمُ ذِكْرِ الليلِ لانكشافِهِ عنِ النهارِ الذي يُمَكِّنُ مِنَ التصرُّفِ في المعايشِ بالسعي في المصالحِ إلى ما لا يُحصى كثرةً مِنَ المنافعِ المتعلّقةِ بالشمسِ أَحَقُّ وأوْلى.