أو تمنوا لو كانوا مهتدين. أو تحيروا عند رؤيته
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قولُه: (أو تَمَنّوْا لو كانوا مُهتدِين)، وَلّدَ ((لو)) معنى التمنِّي لجامعِ الامتناع، ولمْ يَحتَجْ إلى الجواب. قالَ صاحبُ ((التقريب)): وفيهِ نظر؛ إذْ حقُّهُ أنْ يُقال: لوْ كُنا، إلا أنْ يكونَ على الحكاية؛ كأقْسَمَ لَيَضْرِبَن، أو على تأويل: ولوْ مُتَمَنِّينَ هدايتَهُم.
قولُه: (أو تحيّرُوا عند رؤيتِه)، يعني وَضَعَ {لَوْ أَنَّهُمْ كَانُوا يَهْتَدُونَ} مَوضِعَ ((تحيّرُوا لرؤيتِه)) على إرادةِ التمني؛ إما مِنْ كلِّ أحدٍ لشدةِ ما رَأَوْا، أوْ مِنَ الله على المجازِ كما في قولِهِ تعالى: {وَلَوْ أَنَّهُمْ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَمَثُوبَةٌ} [البقرة: 103].
قالَ المصنف: ويجوزُ أنْ يكونَ {وَلَوْ أَنَّهُمْ آمَنُوا} تمنِّيًا لإيمانِهِم على سبيلِ المجاز؛ كأنهُ قيل: وليتَهُمْ آمنوا، وعلى إرادةِ التحيُّرِ النظم؛ وذلكَ أنهُمْ لمّا خُوطِبوا بقولِه: {أَيْنَ شُرَكَاءِيَ الَّذِينَ كُنتُمْ تَزْعُمُونَ} [القصص: 62] والشركاءُ أظهَرُوا البراءةَ مِنهُم، ثُمّ قيلَ لهم تهكُّمًا: أينَ شركاؤُكُم؟ أي: ناصِرُكُمْ ومُعينُكُم، فادعُوهُمْ فإذا دَعَوْهُمْ ولمْ يستجيبوا لهُمْ وَرَأَوُا العذابَ قدْ دَنا؛ تحيّرُوا وبُهِتُوا ولَحِقَهُمْ ما لا يُوصَفُ كُنْهُه؛ فعندَ ذلكَ يُقالُ بلسانِ الحالِ ترحُّمًا عليهِم: ليتَهُم كانوا مُهتَدِين. فهوَ مِنْ إطلاقِ المُسَبّبِ على السّبَب؛ لأنّ تحيُّرَهُمْ سببٌ حاملٌ على هذا القول. وفي قولهِ: ((حكي أولاً ما يُوبِّخُهُم)) إشعارٌ بهذا النظم. قالَ الحِيريُّ: في قولِه: ((لوْ كانوا مُهتدِينَ في الدنيا؛ لَما رَأَوُا العذابَ في الآخرة)) نظرٌ؛ لأنّ الدالّ على المحذوفِ {وَرَأَوُا العذابَ} وهوَ مُثَبت؛ فلا يجوزُ أنْ يُقدّرَ المحذوفُ منفِيًّا. والصوابُ والله أعلم: لوْ أنهُمْ كانوا يَهتَدُونَ لَرَأَوُا العذاب؛ أي: لوْ لمْ يكونوا ضالِّينَ في الدنيا لَعلِمُوا العذابَ موجودًا موعودًا. وجوابُهُ سبقَ في قولِه: {وَاتَّقُوا فِتْنَةً لاَّتُصِيبَنَّ} [الأنفال: 25] في مسألة: لا تَدْنُ مِنَ الأسدِ يأكُلك؛ لأنّ المعنى: إنْ دَنَوْتَ يأكُلْك؛ لأنهُمْ يميلونَ إلى المعنى كلّ الميل، حتى إنهُمْ لا يلتَفِتونَ إلى إيجابِ اللفظِ ونَفْيه.