وسدروا فلا يهتدون طريقاً. حكى أوّلاً ما يوبخهم به من اتخاذهم له شركاء، ثم ما يقوله الشياطين أو أئمتهم عند توبيخهم؛ لأنهم إذا وبخوا بعبادة الآلهة، اعتذروا بأن الشياطين هم الذين استغووهم وزينوا لهم عبادتها، ثم ما يشبه الشماتة بهم من استغاثتهم آلهتهم وخذلانهم لهم, وعجزهم عن نصرتهم، ثم ما يبكتون به من الاحتجاج عليهم بإرسال الرسل وإزاحة العلل (فَعَمِيَتْ عَلَيْهِمُ الْأَنْباءُ) فصارت الأنباء كالعمى عليهم جميعاً لا تهتدى إليهم (فَهُمْ لا يَتَساءَلُونَ) لا يسأل بعضهم بعضا كما يتساءل الناس في المشكلات؛ لأنهم يتساوون جميعا في عمى الأنباء عليهم

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

قولُه: (وسَدِرُوا)، الجوهري: السادِر: المتحيٍّر، والسَّدَر: تحيُّرُ البَصَر.

قولُه: (حكي أولاً)، يعني قولَه: {أَيْنَ شُرَكَاءِيَ} الآية، وقوله: ((ثم ما يقوله الشياطين)) يعني به قوله: {قَالَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ} الآية، وقوله: ((ما يشبه الشماتة))؛ أي قوله: {وَقِيلَ ادْعُوا شُرَكَاءَكُمْ} وهو كما يقول لمن استظهر بغيره في النصرة واعتمد عليه ثم خذله عند الحاجة إليه: ادع ناصرك ينصرك، وقوله: ((ثم ما يُبكَّتون به))، أي: قوله {وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ}.

قولُه: (لأنهُمْ إذا وُبِّخُوا بعبادةِ الآلهة)، تعليلٌ لتقديمِ حكايةِ الله ما يوبِّخُهُمْ به، وهو: {وَيَوْمَ يُنادِيهِمْ فَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكَاءِيَ} على حكايةِ ما تقولُهُ الشياطين؛ وهو قولُه: {قَالَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ القَوْلُ}.

قولُه: (فصارتِ الأنبياءُ كالعمى)، هذا التشبيهُ إشارةٌ إلى أنّ ((الأنباءَ)) في قولِه: {فَعَمْيَتْ عَلَيْهِمُ الأَنْبَاءُ} استعارةٌ مَكنِية، يدلُّ عليهِ قولُه: ((لا تهتدي إليهم)). قالَ القاضي: أصلُه: فَعمُوا عنِ الأنباء؛ لكنهُ عكسَ مبالغةً، يريدُ مِنْ بابِ القلب؛ كقولهِ:

لُعابُ الأفاعي القاتلاتِ لُعابُهُ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015