والراجع إلى الموصول محذوفٌ، و (أَغْوَيْناهُمْ) الخبر, والكاف صفة مصدرٍ محذوف، تقديره: أغويناهم، فغووا غيا مثل ما غوينا، يعنون: أنا لم نغو إلا باختيارنا، لا أنّ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وقد قالَ [أبو] عثمان: إنا رأَيْنا الظرفَ الذي يدّعِيهِ فضلةً لابدّ مِنه، كقولهِم: زيدٌ قائمٌ عمروٌ في دارهِ؛ فلابدّ مِنْ قولِك: في دارِه؛ ليعودَ مِنَ الجملةِ إلى ((زيد)) ضمير، وهوَ فَضْلةٌ في الكلام؛ فكذا هاهنا ينبغي أنْ يكونَ {أَغْوَيْنَا} خبرًا؛ لتعلُّقِ قولِهِ: {كَمَا غَوَيْنَا} بهِ وإنْ كانَ فَضْلة.
وأما المصنفُ فقدْ خالفَ أبا عليٍّ وأبا عثمانَ أيضًا، وذهبَ إلى أنهُ كَرّرَ {أَغْوَيْنَا} في الخبر؛ ليعلِّقَ بهِ المصدرَ الذي يُوجِبُ إضمارَ فعلٍ يطابِقُه؛ لأنّ {كَمَا غَوَيْنَا} غيرُ مطابِقٍ لـ {أَغْوَيْنَا}، فيفيدُ تشبيهَ الغواية بالغواية؛ ولذلكَ قال: إنّا لَمْ نُغْوَ إلا باختيارِنا؛ لأنّ فَوْقَنا مُغوِين. ومِثْلُ في تكرير الخبرِ للتوكيدِ والتعليقِ قولُهُ تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ إنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُوا} [آل عمران: 155] إذا قيل: استزلالُهم الشيطان هوَ التّوَلِّي كما سَبَق، وفائدةُ التكريرِ والتعليقِ وتقديرِ فاءِ التعقيبِ الإيذانُ بتسجيلِ استحقاقِ العذابِ مِنْ إمهال؛ إذِ المعنى: أغويناهُمْ فَغَوَوْا، ولَمْ تتخلّفْ غوايتُهُمْ عنْ إغوائِنا إياهم؛ أي: أطاعونا بسُرعةٍ مِنْ غيرِ رَوِيّةٍ وتَفَكُّر.
والذي يقتضيهِ النّظْمُ أنْ يُرادَ بقولهِ: {الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ} الشركاءُ مِنَ الشياطينِ والجنِّ بشهادةِ قولهِ: {مَا كَانُوا إِيَّانَا يَعْبُدُونَ}، وقولِه: {وَقِيلَ ادْعُوا شُرَكَاءَكُمْ} بعدَه؛ وذلكَ أنّ الشركاءَ لمّا خَذَلوهُمْ وتَبَرّؤوا مِنهُمْ قيلَ لَهُمْ مُوَبِّخًا: هؤلاء شُركاؤُكُمُ الذينَ كنتُمْ تزعمونَ أنّهُمْ يشفعونَ لَكُمْ وينصرونكم؛ فادْعُوهُمْ لِيستجيبوا لكُم. فحينئذٍ المعنى: هؤلاءِ الذينَ أغْوَيْنا أغْوَيْناهُمْ فَغَوَوْا كما غَوَيْنا نحنُ بإغواءٍ قاهر. لأنّ الأصلَ في التشبيهِ أنْ يكونَ الوجهُ شاملاً للطرفَيْن؛ فلا بدّ مِنْ تقديرِ ((قاهر)). ويَعضُدُهُ قولُه: {فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِراطَكَ المُستَقِيمَ} [الأعراف: 16].